يعدّ العمل الخيري في إطاره التنموي رافداً مهماً ومؤثراً في حياة المجتمع، ويتكامل مع الجهود الرسمية التي تبذلها الدولة، ولكن واقع ذلك العمل لا يزال على وتيرة واحدة من الأعمال والمناشط الخيرية التي تبدأ ببناء المسجد، وتنتهي عند دعم جماعة تحفيظ القرآن، من دون الاهتمام بالأعمال الإنسانية والمجتمعية عموماً، مثل إنشاء المراكز الصحية المتخصصة، أو مراكز التأهيل لذوي الاحتياجات الخاصة، أو مدارس نموذجية، او مراكز علمية وبحثية، أو بناء أوقاف لدعم لجان أصدقاء المرضى، أو الأيتام، أو المطلقات والأرامل، أو الشباب المقبلين على الزواج. ولا شك أنّ توجه الباذلين والمحسنين ورجال الأعمال إلى نمط واحد من العمل الخيري يعطل الكثير من المنافع التي يحتاجها المجتمع، وحرمانه الكثير من الخدمات الإنسانية الضرورية في صورها المتعددة، طبيةً ووقائيةً، وتدريبيةً، وتعليميةً، ونهوضاً بالأسر الفقيرة والمحتاجة وتخفيف من معاناتها، كما أنّ الإسهامات الخيرية التي لامست حاجات المجتمع وأصبحت بمثابة طوق نجاة لتجاوز الكثير من معاناته تمثّل اليوم صورة مشرقة للتعاون على البر والتقوى التي حث عليها ديننا الإسلامي العظيم. هدف واحد وذكر "د.عبدالعزيز الشاوي" -رئيس المجمع الخيري ببريدة- أنّ من أهم أسباب توجه العموم إلى بناء المساجد يعود إلى قناعة الباذلين بفضلها وديمومتها، إضافةً إلى وجود جهة تعتني بها بعد بنائها، وتصرف على المؤذن والإمام، إلى جانب ما تجده المساجد من اهتمام من أهل الحي الذين يساهمون في تكاليف الصيانة، والفرش، ومكبرات الصوت، وغير ذلك، مشيراً إلى أنّ العمل الخيري عبر بناء المسجد لا يتطلب وجود ناظر للوقف الذي قد لا يكون جاداً في رعايته. التنويع مطلوب في بناء مراكز صحية، بحثية، تأهيل أوقاف تدعم لجان المرضى والأيتام والمقبلين على الزواج وأضاف:"وإن كنا نجد تعاوناً من بعض الباذلين ورجال الأعمال للمساهمة في إنشاء المراكز والمشروعات الخيرية، إلاّ أننا نأمل في المزيد من هذه المساهمات؛ مما سينعكس أثره على الكثير من المحتاجين". وقال إنه من الضروري أن تتضافر الجهود من أجل توعية الناس، خاصة المحسنين والباذلين ورجال الأعمال، عبر حملات إعلامية تكشف أهمية مساندة العمل الخيري وتنويعه بما ينفع الناس بشكل مباشر، وذلك عبر مزيد من الجهد من وزارة الشؤون الإسلامية، وعبر وسائل الإعلام، واستثمار المناسبات، وخطب الجمعة، وإعداد المطبوعات، والملصقات، التي تحفز الباذلين لنهج أسلوب تنويع العمل الخيري، داعياً إلى إيجاد مركز وطني للبحوث والدراسات الخيرية؛ لكي يتابع كل المستجدات في العمل الخيري وحاجة المجتمع، مدعم بالإحصائات والوثائق والدراسات، حتى يكون داعماً لفكرة الأوقاف الخيرية الجديدة، وتوجيهها الوجهة المطلوبة لما فيه خدمة وصلاح المجتمع. وأضاف أنّ المجتمع -هنا وفي أي مكان- بحاجة إلى تظافر الجهود من أجل تعزيز العمل الخيري في كل الجوانب التي يحتاجها، مؤكداً على أن الأجر والمثوبة من الله ليس لها حدود وأن العلم النافع الذي ينعكس على مساعدة الفقراء والمحتاجين والمرضى والمتعثرين لا يقل أجراً عند الله سبحانه وتعالى، موضحاً أنّ انتشال مريض من مرضه أو محتاج من كبوته أو مساعدته عبر بناء وتأسيس مرافق تعنى بتقديم الخدمات الإنسانية؛ يمثل أحد أوجه التعاون على البر والتقوى والعمل النافع الصالح الذي يستمر أجره وديمومته -بإذن الله-. نموذج ناجح ودعا "فهد الوهيبي" -أمين عام جمعية عنيزة للتنمية والخدمات الإنسانية "تأهيل"- الباذلين والمقتدرين من أبناء هذا الوطن العزيز إلى انتهاج أفكار جديدة في العمل الخيري الإنساني، مثل جمعية "تأهيل" التي لم يتوقف نشاطها عند جزئية واحدة تعنى بشريحة من المحتاجين للخدمات مثل المعوقين؛ بل إنّه يمتد إلى تشغيل منظومة من المراكز والمشروعات التي تخدم ذوي الاعاقة، مثل: مجمع علي الجفالي للرعاية والتأهيل، ومركز علي التميمي للتوحد، ومركز الطفولة والتدخل المبكر، ومدرسة قدرات النموذجية للتربية الخاصة، ومؤسسة امتداد للخدمات الانسانية، وبرنامج الرعاية الصحية والتأهيل المنزلي للمعوقين بمنطقة القصيم، وبرنامج التمكين الوظيفي والاجتماعي للمعوقين، موضحاً أنّ كل هذه المراكز والمؤسسات التي تمثّل مشروعات إنسانية في غاية الأهمية، والواقع المعاش يدعو إلى المزيد من هذه المشروعات الخيرية الإنسانية، في إطار تنويع مجالات العمل الخيري. وقال إنّ المراكز والمحاضن الخيرية الإنسانية تحظى بالدعم والتشجيع والإشراف من قطاعات الدولة، ممثلةً بوزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة التربية والتعليم وغيرها من الجهات المعنية؛ مما يدعم فرصة ديمومة واستمرار هذه القطاعات الخيرية، واستمرار أجرها -إن شاء الله-، مبيّناً أنّ سمو أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز يولي هذه الجمعية الخيرية عنايته واهتمامه، من خلال كون سموه الرئيس الفخري لها. وأضاف أن العمل الإنساني الذي يقدمه مجمع الشيخ علي العبدالله الجفالي للرعاية والتأهيل، من خدمات تأهيلية وتعليمية وعلاجية مختلفة لذوي الاعاقة بكافة الأعمار، حيث يقدم لهم خدمات التشخيص، والكشف المبكر، والتربية الخاصة "بنين- بنات"، وخدمات التربية الخاصة، من خلال التعليم الخاص، والرعاية النهارية، من خلال فرع الجمعية "مدرسة قدرات للتربية الخاصة" لفئة الاعاقات الفكرية البسيطة والمتوسطة ومتعددي الاعاقات والتوحد، إضافةً إلى ما تقدمه الجمعية من خدمات التأهيل المهني للمعوقين، والتأهيل الصحي للإعاقات الحركية الناجمة عن الحوادث والاصابات. وأشار إلى أنّ مركز الشيخ علي بن عبدالله التميمي للتوحد من ضمن فروع الجمعية، موضحاً أنّه يؤدي أدواراً إنسانية في غاية الأهمية للمجتمع، من خلال خدماته التأهيلية والتعليمية والعلاجية المختلفة لمرضى التوحد من عمر(3-12) سنة، كما يقدم المركز خدمات التأهيل النفسي والإرشاد الأسري لذويهم، إلى جانب العلاج الوظيفي والطبيعي والمائي، وتقويم النطق، وتدريب مهارات التواصل، وخدمات التغذية العلاجية، ويسانده مركز الطفولة والتدخل المبكر في اكتشاف الإعاقة، والتدخل في علاجها وتأهيلها، عبر منظومة من الخدمات المتعددة. وقال إنّ ما تقدمه المراكز الخيرية من جهود وخدمات في إطار عملها الخيري والإنساني يمثل حلقة مهمة في تنويع العمل الخيري داخل المجتمع، مؤكّداً على أنّ هذه الأعمال الإنسانية جديرة بالاحترام والتقدير، مستدركاً: "استعراض الخدمات التي تقدمها المراكز الإنسانية الخيرية إنما هو في إطار توجيه عناية الباذلين والمحسنين، من أجل تنوع وتعدد القنوات الخيرية المفيدة، والتي من الممكن أن يساهم فيها كل شخص لخدمة مجتمعه، والتي لا تقل أهمية أو أجراً عن أي مشروع"، مشدداً على أنّ العمل الخيري والإنساني يتطلب التنويع في الوسائل والأهداف حسب حاجة المجتمع، ليصبح دعامة رئيسة لجهود مؤسسات القطاع العام. حلقة مضيئة وأوضح "د.صالح التويجري" -محاضر بجامعة القصيم- أنه كلما كانت البيئة والمجتمع محافظاً مستقيماً زاد نشاط العمل الخيري؛ لأنّه مرتبط بعقيدة وثواب العاملين، وهذا ما تؤكده النصوص الشرعية والواقع شاهد بذلك، وهو أحد صور التكافل الاجتماعي وتجسيد روح الأمة في حياتها، تعاطفاً وتراحماً وتواداً، معتبراً أنّ العمل الخيري يعدّ حلقة مضيئة في الحياة الاجتماعية، يمارسه كل شخص متطلع للبذل والعطاء، كلٌ على قدر استطاعته، وقد عُرف المسلمون بحب الخير والسعي إليه. وقال إنه من المهم الاهتمام بإيجاد أعمال للأيتام، والمعوقين، والتائبين من المخدرات، ولمن انتهت عقوبة سجنهم، وغيرهم ممن تسعى الجمعيات الخيرية لمساعدتهم قد يتحولون إلى فقراء إذا لم تؤمن لهم فرص التدريب والتعليم، خصوصاً في المجالات المهنية التي تؤدي بهم إلى أعمال ووظائف ومهن تتناسب مع قدراتهم، وتؤمن لهم ولأسرهم دخلاً ثابتاً ومنتظماً، ذلك كله حتى لا ينتشر الفقر في مجتمعنا، وتتفشى معه الجريمة، والدعارة، والجهل، والمرض، ولا نقف مكتوفي الأيدي أو موقف المتفرج أو عدم التعاون مع كل تلك القطاعات في تنظيم العمل الخيري. وأضاف أنّ القرآن الكريم والسنة النبوية فيهما حث وترغيب على فعل الخير، وتعد كل الفاعلين للخير بالثواب في الدنيا والآخرة، مثل قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"، وقوله تعالى: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، موضحاً أنّ الله -سبحانه وتعالى- أمر المسلمين بأن يتعاونوا على البرِّ والتقوى مما يجلب محبته، وفي الوقت ذاته ينهاهم عن التعاون على المعاصي التي تجلب سخطه وغضبه، ويأمرهم سبحانه بالتصدق والصدقة. وأشار إلى أنّ للعمل الخيري ألفاظاً مقاربة له، تحمل في داخلها كل معاني العمل الخيري وكل أنواع البرِّ، والمعروف، والخير، وتقديم المساعدة للآخرين، والتي تأتي مرتبتها بعد الواجبات، وأن صاحب هذه الأعمال لا ينتظر الجزاء المادي أو الدنيوي، وإنما ينتظر الجزاء من رب العالمين وخالق الأرض والسماوات، لافتاً إلى أنّ من أهم أهداف العمل الخيري الأوقاف والأربطة وعلى مجالات البر والإحسان، ومكافحة الفقر ومحاربته، من خلال إيجاد عمل للفقراء، وذلك بتدريبهم على مختلف المهن والأعمال التي في استطاعتهم العمل بها، إذ إنّ إيجاد عمل للمحتاجين من الرجال والنساء يضمن لهم حياة مستقرة في الجوانب المادية والأسرية، ثم يأتي بعد ذلك دور صناديق المساعدة، مثل: مساعدة المشروعات الصغيرة أو الزواج، وكذلك مبادرة التجار بوقف مبرات خيرية تنظم بذلهم؛ حتى لا يضيع مع ضغط المحتاجين. بعض المشروعات الإنسانية والخيرية متعثرة بحثاً عن ممولين د.عبدالعزيز الشاوي فهد الوهيبي د.صالح التويجري