تمر علينا باستمرار قصص ونوادر طريفة ترتبط بشكل مُباشر بالشعر والشعراء، أو تتضمن سخرية بأصحاب المواهب الشعرية الفقيرة والمستشعرين، وقد لاحظت بأن معظم تلك القصص ما هي إلا صدىً لقصص حدثت في الماضي القريب أو البعيد وولدت في بيئات مُتشابهة ومن حالاتٍ مُشابهة، فقد قرأت مؤخراً أن أحد المستشعرين أتى لأحد الشعراء الشعبيين الكبار وعرض عليه قصيدة من نظمه لمعرفة رأيه فيها، فقال له الشاعر بعد سماع القصيدة: "قل الحمد لله، هذا خنازٍ أظهره الله من صدرك".! وهذه النادرة تُذكرنا بما يُحكى عن الفرزدق الذي أنشده أحدهم شعراً وقال له: "كيف تراه؟ فقال الفرزدق: "لقد طاف إبليس بهذا الشعر في الناس فلم يجد أحمق يقبله سواك"، ومن المُمكن أن نلاحظ من هذه النادرة وسابقتها أن طريقة الاستقبال أو التلقي لإنتاج الشاعر الرديء لم تتسم بالإقصاء والرفض المُباشر ولم تكن لهجة المتلقي حادةً أو مُتشنجة، بل تم استقبال ذلك الإنتاج الشعري الهزيل بابتسامة سخرية وتهكم، ومن محاسن هذه الطريقة في استقبال النص الشعري –رغم ثقلها على صاحب الذوق- أنها تحمل نوعاً من التفاؤل بإمكانية إيجاد وردة في وسط كومة من الأشواك أو رؤية بصيص من الضوء في داخل مكان شديد العُتمة. ومن الطرائف التي رواها ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أن الفقيه عبدالله بن المبارك سمع سكراناً يتغنى ويقول: أذلّني الهوى فأنا الذليلُ وليس إلى الذي أهوَى سبيلُ فأخرج ورقة وكتب البيت، وحين قيل له: "أتكتب بيت شعر سمعته من سكران؟ قال: أما سمعتم المثل: (رُبَّ جوهرةٍ في مزبلة)، قالوا: نعم. قال: فهذه جوهرةٌ في مزبلة"..! وأعتقد أن طريقتنا في التلقي لا ينبغي أن تتسم بالتشنج والتشاؤم والتباكي الدائم على حال الشعر ومستوى الشعراء، فلا أحد منّا يستطيع إغلاق أفواه الناس ومنعهم من نظم ونشر ما يظنون أنه شِعر، لذلك علينا أن نضاعف من جهدنا في البحث عن الشعر الأجمل وإبرازه حتى لو صدر ذلك الشعر من شاعر متواضع المستوى، فكما قيل: "رُبّ جوهرة في مزبلة". أخيراً يقول المبدع مشعل فالح الذيابي: الحال يغني يا غرامي عن الشرح جروحي أكبر من مدارات بوحي في غيبتك جرح و ورا رجعتك جرح لو إن هجرك عاش ماتت جروحي