هذه الأنفاق التي تخترق الرياض ماذا إلا هندسات خرسانية تشي بتطور المدينة رغم تصحّرها وحضارتها رغم تغير ملامحها وتبدّلها وانسلاخها أحيانا من موروثها أو بعض ماكانت عليه.. تساءلت بينما يتنفّس الزحام عوادم السيارات ماذا لو أن هذه الجدران الخراسانية المعتمة تلبّست بلوحات تشكيلية كبيرة ومضاءة بلون الرياض القديمة وعمقها التاريخي فينا.. الرياض التاريخية حملتها فرشاة أكثر من فنان وشكّلت ملامحها القديمة رؤى كثيرة اختزلها الفنانون في أكثر من لوحة وأعمق من تاريخ ولا أظن أن مشروعا مبهجا كهذا سيكلف الكثير حينما نتظافر جميعا لحب الرياض فقط علينا أن نشيع الفن في شوارعنا لتكون الرياض مدينة مضاءة بمجدها القديم حينما نخترق أرضها ونعبرها من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب دون أن ندرك حقيقتها المتصحّرة حيث يحنق الشجر فيها من العطش صيفًا ويرتجف بعضه كثيرا من البرد شتاءً وعلينا بالفعل أن نجرّ عيوننا إلى موروثها بينما تتعالى أبواق الزحام وهي تشتم اليوم بذنب التأخّر عن الغد..! الرياض أريكة سيدة تركت ظلّها في مهبِّ المشيئةْ أرجحتها الحوادث منذ الفراق الأخير، وقد حملت بالدوارْ..جاء فيها النهارْ.. يسأل الليل عن وطنٍ لاتباغض فيه: بين راءٍ وياءِ بين مدٍّ وحدْ بين ضاد ودار لا تفرق دمي حين تقتلني سوف نقتصّ من كل قلبٍ ظنونْ! لنا نخلةٌ بين دالينِ.. مد وحد..! كلنا واحدٌ جبهةً يمَّمَتْ وجهها واستطالتْ على الوقت لا تنحني حين تسجد إلا لربي: الرصيف سيبني على حده موعدًا للخطا والشوارع تكتم أنفاسها كلما عاثَ فيها هروب: (كلنا في الشمال العليا إذا كان بعض السويدي الجنوبْ) كلنا للرياض نحرّك عقربَ ساعتنا باتجاه شوارعها ثم نوشك بالظل قبل الغروبْ لاتكمّم فمي.. إنها مئزر الوقت تحمل قنديلها راعشا في الشتاء لتدفئ أوردةَ الصبر فينا.. وتنتعل الريح.. خاتمها شاعر جاء من غير وعدٍ بها ثم حكَّ فراء قصيدته واستوى للبياضْ.. لا تكمِّمْ فمي.. أول الشعر أنثى وآخره بقعة زوجوها الخزامى.. فجاءت لنا بالرياض..!