في ظل شجرة وبالقرب من مياه النيل الأبيض، تجذب الذباب جثة رجل قتل خلال استعادة جنوب السودان لمدينة بور. وعلى حافة طريق وعر يؤدي إلى المجمع المحصن لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، جثة أخرى. وفي الوقت نفسه، يرقص سكان بور احتفالاً بتحرير مدينتهم. فقبل ساعات فقط كانت قوات المتمردين تحتلها بعدما سيطرت عليها قبل أسبوع. وتطلق النساء زغاريد فرح عند مرور جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان، وينشدن بصوت عال أغاني تعود إلى فترة الحرب من أجل الانفصال عن الشمال. وعاد مئات المدنيين وهم يحملون حقائبهم وبعضهم فرشهم على رؤوسهم، إلى المدينة بعد هرب المتمردين أمام الجيش. وكانت بور عاصمة ولاية جونقلي الأساسية والواقعة على بعد حوالي مئتي كيلومتر شمال العاصمة جوبا، سقطت بأيدي المتمردين الموالين للنائب السابق للرئيس رياك مشار الذي أعلن تمرده منتصف الشهر الحالي. ودخلت قوات تابعة لحكومة جنوب السودان بور بعد ظهر الثلاثاء لتستمر المعارك من أجل السيطرة على المدينة طوال الليل. وكان إطلاق نار متقطع يسمع مساء الأربعاء في المدينة حيث أكد جنود في الجيش الشعبي لتحرير السودان أنهم يطاردون عددا من المتمردين. وتعم الفوضى المدينة التي انتقلت إلى أيدي المتمردين قبل أن يستعيدها الجيش. فقد نهبت المحلات التجارية ودمرت نوافذ بينما تحطم الزجاج واقتلعت الأبواب في مكتب حاكم المنطقة الذي استخدمه المتمردون قاعدة لهم خلال سيطرتهم على بور. وتناثرت أوراق على الأرض تظهر عليها آثار أحذية. وقال الجندي سايمن دينغ لوكالة فرانس برس خلال زيارة نظمتها لحكومة للصحافيين إلى المدينة «أخذنا بور مساء أمس لكن ما زال هناك إطلاق نار ليلا وفجرا». وأنهت استعادة الجيش لبور حصارا دام أسبوعا للمدينة ودفع أكثر من 17 ألف مدني يائسين إلى اللجوء إلى مجمع الأممالمتحدة الذي انخفض مخزونه من المواد الغذائية والتموينية إلى حد كبير. وقال جنود حفظ السلام أنهم كانوا يخشون من هجوم مماثل لذاك الذي استهدف الأسبوع الماضي مركزا نائيا للأمم المتحدة في اكوبو في ولاية جونقلي نفسها. وكان حوالى ألفي مسلح هاجموا القاعدة وقتلوا حوالي عشرين شخصا بينهم اثنان من جنود حفظ السلام الهنود. ولمنع أي مسلحين من اقتحام قاعدتهم في بور، أمضى جنود حفظ السلام أياما في تحصين مبانيهم قبل هجوم الجيش الحكومي. وخلال سيطرة المتمردين على المدينة، جرح أربعة عسكريين أميركيين خلال محاولتهم إجلاء عدد من مواطنيهم، بعدما أصيبت طائراتهم الثلاث بالرصاص. ولم تنجز عملية الإجلاء إلا في اليوم التالي. وأعلن جيش جنوب السودان أمس أنه واصل «تطهير جيوب المتمردين» في المنطقة. ويشهد جنوب السودان مواجهات عنيفة منذ اتهم الرئيس كير نائبه السابق الذي أقيل في يوليو بتنفيذ محاولة انقلاب قبل أسبوع. ونفى رياك مشار هذا الأمر متهما كير بأنه يريد القضاء على خصومه. وتطال المعارك نصف الولايات العشر للدولة الوليدة التي نالت استقلالها العام 2011، أي جونقلي والوحدة ووسط الاستوائية والنيل الأعلى وشرق الاستوائية. وقد طلبت الأممالمتحدة أموالا لمواجهة الوضع الإنساني الملح في جنوب السودان حيث فر عشرات آلاف المدنيين من المعارك وأعمال العنف في الأيام الأخيرة.