أو أخملهم معاصروهم، فيقال مثلاً إنّ طاغور أخمل مائة شاعر من شعراء عصره، ومن هؤلاء الذين أهملهم التاريخ مع انه شاعر مجيد أبو سعيد المنازي، وقد ذكره ابن كثير في عدة أسطر، وقال إنّ له ديواناً مفقوداً، ولولا قصته هذه مع أبي العلاء المعري، التي أوردها ابن حجة الحموي في كتابه ثمرات الأوراق، لما عرفنا عنه أيّ شيء، إذ قال إنه وفد على أبي العلاء في الشام مع مجموعة من الشعراء، ألقوا شعرهم، وألقى هو هذه الأبيات: وقانا لفحة الرمضاء واد سقاه مضاعف الغيث العميم نزلنا دوحه فحنا علينا حنوّ الوالدات على الفطيم وأرشفنا على ظمأ زلالاً ألذّ من المدامة للنديم يصدّ الشمس أنّى واجهتنا فيحجبها ويأذن للنسيم فقال له المعري: أنت أشعر من بالشام، ثمّ رحل المعري إلى بغداد، فوفد عليه المنازي مع مجموعة من الشعراء لا يعرف المعري أحداً منهم حتى المنازي وأنشده هذه الأبيات: لقد عرض الحمام لنا بسجع إذا أصغى له ركب تلاحى شجى قلب الخليّ فقيل غنّى وبرّح بالشجيّ فقيل ناحا وكم للشوق في أحشاء صبّ إذا اندملت أجدّ لها جراحا ضعيف الصبر عنك وإن تقاوى وسكران الفؤاد وإن تصاحى بذاك بنو الهوى سكرى صحاة كأحداق المها مرضى صحاحا فقال المعري دون أن يسأله عن اسمه: ومن بالعراق، عطفا على ما سبق أن قال له: أنت أشعر من بالشام، وما أروع هذه الأبيات التي احتوت على الطباق: يصد ويحجب وكذلك يحجب ويأذن، واندمل وأجدّ، ومرضى وصحاح، وسكرى وصحاة، وغنى وناح، ثمّ هناك الجناس غير التام بين سقى ووقى، ثمّ انه جمع بين الجناس غير التام وفي نفس الوقت الطباق بين لفظتين في بيت واحد، وهما الخليّ والشجيّ وهذا من الشوارد والأوابد، وما أروع المعري الذي فقد البصر ولم يفقد البصيرة وخاصة بالشعر والشاعر، ونحن نأسف لأنه لم يصل لنا إلاّ هذا القليل من شعر هذا الشاعر.