ألّف الجاحظ كتاباً عن أخبار الحمقى والمغفلين وحكى فيه عن نوادر المعلمين، ثمّ أراد أن يمزقه، خاصة بعد أن تعرّف على معلم، أعجب بعلمه وحرصه على التدريس، وفي يوم من الأيام افتقده ووجد مكانه مغلقاً، وسأل عنه فقيل له إنّ قريباً له قد توفاه الله، فذهب الجاحظ يسأل عن البيت حتى وصل إليه، وسأله عن الذي مات من الأحبة فجعله يلزم بيته، فأجابه إنها أمراة أحبها، فسأله الجاحظ: كيف؟ فقال إنه كان في ذات يوم يدرس الطلاب في الكتّاب فسمع صوتاً يقول: يآمّ عمرو جزاك الله مغفرة ... ردّي عليّ فؤادي مثلما كانا إنّ العيون التي في طرفها حور ... .قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا لا تأخذين فؤادي تلعبين به .... فكيف يلعب بالإنسان إنسانا ثمّ قال للجاحظ: لولا انّ أمّ عمرو هذه ما في الدنيا أحسن منها، ما قيل فيها هذا الشعر فعشقتها وصارت هاجسي في الليل والنهار، وبعد يومين سمعت صوتاً يقول لقد ذهب الحمار بأمّ عمرو ....... فلا رجعت ولا رجع الحمار فعلمت أنها ماتت فحزنت وأغلقت المكتب ولزمت الدار، فقال له الجاحظ: ياهذا إنني كنت ألّفت كتاباً في نوادركم يامعشر المعلمين، ولكني حين صاحبتك عزمت على تقطيعه، والآن عدلت عن ذلك وعزمت على إبقائه، وأول ما أبدأ به هو أنت، وقد سبق أن كتبت عن الشعراء الذين ترددت أمّ عمرو في أشعارهم، ومنهم أبو العلاء المعري الذي قال: « حديث خرافة يآمّ عمرو » ولم أذكر صدر البيت لأنّ فيه انكار للبعث، على أنه نظم بيتين تنمّ عن إيمانه بالبعث. زعم المنجم والطبيب كلاهما ... لا تبعث الأرواح قلت إليكما إن صحّ قولكما فليس بضائري ... أو صحّ قولي فالخسار عليكما