نجحت سنغافورة في تطوير التعليم عبر سياستين رئيسيتين تمثلت الأولى عبر دعوة مجلس الاقتصاد السنغافوري 16 جامعة عالمية متميزة لتنفيذ برامج أكاديمية في سنغافورة أما السياسة الثانية فكانت من خلال دعوة الطلاب الأجانب للدارسة في سنغافورة من خلال تسويق مجلس السياحة السنغفوري خارجياً للتعليم في سنغافورة وكانت نتيجة السياستين تدشين فروع لمعاهد وكليات عالمية مثل إنسياد وتنظيم برامج تعليمية مشتركة ضمن الجامعات السنغفورية مثل اتفاقية جامعة سنغافورة الوطنية ومعهد ماساتشوستس للتقنية، والمحصلة استقطاب أكثر من 100 ألف طالب للتعلم في سنغافورة، ومثل هذه السياسة لا تنطبق على سنغافورة فحسب بل وعلى جاراتها كذلك كماليزيا حيث تمت دعوة 19 جامعة بريطانية لتنفيذ 110 برامج أكاديمية و17 جامعة إسترالية لتنفيذ 71 برنامجاً وكانت النتيجة استقطاب 100 ألف طالب أجنبي للتعلم في ماليزيا واستهداف 200 ألف طالب بحلول العام 2020 ضمن مشروع رؤية 2020 التي رسمها رئيس الوزراء الأسبق محاضير محمد، وما ينطبق على سنغافورةوماليزيا ينطبق كذلك على اليابان والتي بعد انتهاء خضوع التعليم الياباني لإشراف الجيش الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية نجحت في استقطاب أكاديميين وتقنيين في الخمسينيات الميلادية وكذلك فتح فروع لجامعات أجنبية في اليابان وكانت النتيجة استقطاب 100 ألف طالب أجنبي في العام 2010 واستهداف استقطاب 300 ألف طالب أجنبي بحلول العام 2020 ولم يقتصر أثر تلك البرامج على رفع مستوى مخرجاتها من مواطنيها فحسب بل استقطاب وتأهيل طلاب أجانب، وفي بعض الدول كسنغافورة تقدَّم قروض للطلاب الأجانب المتميزين ومنح تعليمية كذلك للاستفادة منهم وطنياً بعد تخرجهم، والنتيجة الطبيعية للسياسات التي استخدمتها دول الشرق الأقصى النجاح في استقطاب فروع لأبرز الجامعات العالمية حيث خلال الفترة بين العامين 2009 و2011 فقط تم افتتاح 25 فرع جامعة أجنبية ويوجد 31 جامعة مخطط افتتاحها، بينما في الشرق الأوسط خلال نفس المدة لم يتم تدشين فروع لجامعات أجنبية ويوجد فرع واحد فقط مخطط. على مستوى بعض دول شرق آسيا الأخرى كالصين مثلاً كانت لها تجربة مختلفة حيث عمدت إلى استقطاب 39 من الفائزين بجوائز نوبل في الجامعات الصينية وأكثر من 500 أكاديمي من مختلف دول العالم للتعليم في الجامعات الصينية، فضلا ًعن إطلاق عدد كبير من البرامج وصناديق الدعم المالي للاستفادة من الموهوبين والمبدعين والمبتكرين في الصين وكذلك فعلت بقية دول شرق آسيا ونجم عن تلك البرامج على مستوى سنغافورة بمفردها استقطاب 7000 شركة متعددة الجنسية من الولاياتالمتحدة وأوروبا واليابان، وعلى مستوى الصين فربما هبوط المركبة الفضائية الصينية الأسبوع الماضي لتكون أول مركبة فضاء تهبط على سطح القمر منذ أربعين عاماً لهو مثال حي لتطور التعليم والتقنية في الصين، وما ينطبق على سنغافورةوالصين ينطبق كذلك على كوريا الجنوبية والتي نجحت سياساتها في التعليم من خلق قطاع صناعي اقتصادي منافس عالمياً، كل ذلك تحقق لها ولغيرها من مثيلاتها من دول شرق آسيا بعد إصلاح التعليم وتطوير برامج أكاديمية مشتركة وفتح فروع لجامعات عالمية، وهو ما مكنهم ليس من تطوير واقع أسواق العمل وتوفير فرص عمل لمواطنين فحسب بل ومن المنافسة الاقتصادية على مستوى العالم بشكل ملحوظ مؤخراً وقيادة العالم مستقبلاً، والسؤال الآن هل نعجر عن استنساخ وتطوير مثل هذه التجارب الرائدة ؟ لا أعتقد ... فماذا ننتظر!