عبدالله بن عبدالرحمن اللويحان شاعر معروف ملأ صوته الشعري. أرجاء المملكة واحتفت به مجالس الأمراء ومنتديات الحوار، وأبدع في جميع أغراض الشعر، متسماً شعره بروح قريبة إلى نفوس الآخرين، متواضع وطموح وذو خبرة بألوان الشعر النجدي والحجازي وشعر دول الخليج العربية، مهارة اكتسبها من تنقلاته بين هذه البقاع ومتابعة الشعراء وعشاق شعره له، كما أن تجواله فتى في طلب الرزق الذي طرق دروبه الوضاءة بكل إقدام فمن الرعي إلى الغوص إلى التجارة إلى العسكرية حتى استقر في رحاب الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله واحداً من رجاله. ورغم أنه أمضى في الغوص – كما يقول – أربع سنين إلا أن الشوق إلى نجد زهده في هذه المهنته فقال: هاضني وابدى كنيني يوم طبَّيت المنامة ديرة ما طبها جدي ولا ابوي القريبِ يا ولي العرش منها كف رجلي بالسلامة قبل ما يلحق جديد العمر فلاّج الطليبِ أتنحّر نجد حيث ان نجد مضبوطه كمامه ضابطه مقدم اهل العوجا منزحة الحريبِ والله ان ركبي على هرش ومن فوقه مسامة أشهب ذيله مشلوط كن جلده جلد ذيبِ في هبايب نجد وارقى من عدامة في عدامة شربي الما الهمج باوطاني كما شرب الحليبِ إنه اشوى من ركوب الغوص مع خطر الغدامة ما يحوش الليل معهم غير مقرود النصيبِ لم يكن لويحان أول من مل من حياة البحر أو المدينة وحن إلى فياض نجد، لكن جهاد الإنسان في طلب الرزق دفعه لركوب المغامرة. وشعر لويحان يمتاز بكثير من المزايا إذ يراعي في خطابه الشعري الزمان والمكان والمتلقي فيخاطب بما يناسبه من تقاليد المخاطبة. كما أنه يشكل الصورة الملفتة والمثيرة للانتباه بشيء من الكاريكاتورية. انظر له وهو يصف جماعة يعرفهم منهم من هب لاستقباله في فندق ناشيونال بالقاهرة فيما قبل أكثر من سبعين سنة فيقول: دخلت ناسيونال ياكثر الازوال الكل منهم من ديار بعيدة أحدٍ يسلم ردة مالها امثال ينشدك لين انك بعلمك تفيده واحدٍ إلى ما انه صدف يمه الفال دنَّقْ براسه تِقْل يقرا جريدة وهذه الصورة ما زالت تتكرر من بعضهم في التهرب من ملاقاة آخرين يتوقع استحقاقهم تقديم خدمات لهم، أو خوفاً من اطلاعهم على ما يشينه.نعود إلى إعجاب الشعراء بشعر نظرائهم، وهو إرث حفظ لنا أجمل القصائد في زمن غياب التدوين ولو لم تكن صدور الرجال لهذا أحفظ لما حفظ الابداع ومحتواه الفني والمادي من أخبار وقيم وغيرهما فكان مصدراً من مصادر المعرفة، فليهنأ شعراء اليوم بالتدوين الذي لا يغادر جميلا وغيره إلا دونه. لكن ما هو موقف الشاعر عندما يتلقى قصيدة لغيره فيثيره جمالها ويتمنى أن لو كان هو قائلها؟ منهم من يصرح بذلك ومنهم من يحاول المعارضة بقصيدة أخرى ومنهم من يضيف إليها. ولكن مَنْ الأجمل إبداعاً السابق أو اللاحق، لنر ما حدث للشاعر عبدالله لويحان عندما تلقى قصيدة الشاعر فهد بن دحيم رحمه الله، كان ذلك في عام 1350ه كما يشير لويحان في كتابه: روائع من الشعر النبطي. تلك الأبيات من شعر الغزل وهي مقطوعة تتألف من خمسة أبيات هي: سلام يا عين الغَزيّل ليا سج يا خشف ريمٍ عاودت بعد هجّة يا اخو فهد لا حرّك الباب وانهج انهج قلبي تسعة الاف هجّة عليه دمعي كل يوم يتزعّج تزعيج موجٍ الاحَيْمر يزجّه يا لا يمي يضرب براس المزرَّج مشلشلٍ بين الاباهر يخجّه متى متى عسر الليالي تفرّج يسج سجاج يقلبي يسجّه وداعي الاعجاب لدى لويحان صعوبة القافية وجمال الصور ودقة النسيج في الابيات وعمق تأثر الشاعر، ولمن ينكر تكرار القافية في البيتين الأول والثاني فإن معنى المفردتين مختلف فالأولى من الهروب والثانية من التمزق والتشظي، والمعنى واضح. أما الاحيمر فأعتقد أنه البحر الأحمر بداعي الموج وقد يكون غير ذلك، أم المزرج فهو السيف يضرب الأباهر وهي أوردة أو شرايين عند ملتقى العنق بقاعدته الكتفين (العلبا). وقد بالغ الشاعر ابن دحيم في تحدي اللائمين وفي الدعاء الذي اختتم به الأبيات أن ينال الغزيّل ما ناله من الولع. ويبدو أن هذه الأبيات أثارت العامة والخاصة حيث يذكر لويحان أنه سمعها في بعض مجالس الأمراء الذين عرف منهم اهتمامهم بالجيد من الشعر وتذوقه، ولذا يقول لويحان في كتابه المشار إليه: «وسمعتها – أنا يا عبدالله لويحان – من بعض أصحاب السمو الأمراء واشتقت أن أركب عليها هذه الأبيات: قافٍ سمعته كل ما منّي ارتج واصبحت ما ادري يا عرب وين اوجّه أنا من القاف الغريب اتخرّج الوادي المجهول اسنّع مدجّه يا لجّتى لجّة محال إلى لج ليالها وايامها مستلجّه عليك يا راعي الحجاج المدعّج دالوب قلبي كل بحر يرجّه كنّه هديب الشام في موسم الحج في ما قفٍ تسمع للاصوات ضجَّة الود عقب سخيّف الروح يسمج فرق الذي ما تقبل النفس حجّه والفرق بين الشاعرين أن ابن دحيم صاحب معاناة، ولويحان صاحب إعجاب شعري، وذو التجربة والمعاناة قد لا يبلغ مداه متلق، وفي شعر كلا الشاعرين خير، وأترك للقارئ الحكم على البدء والتكملة، رحم الله الشاعرين.