تعيش المملكة بمختلف مناطقها طفرة اقتصادية متسارعة، تمثلت في حجم الإنفاق الحكومي الكبير على جميع المجالات الصحية والخدمية وغيرها، حيث يتوقع أن تختصر هذه الطفرة ما يمكن بناؤه خلال عدة سنوات قادمة؛ إن توفرت العوامل المساعدة لذلك كاختيار المقاول الأفضل، والتشغيل والصيانة المثلى لما يتم تنفيذه، وحماية مجال المقاولات من المتغيرات السلبية (مثل ارتفاع الأسعار). وقد حرصت الدولة على وضع اللوائح والقوانين التي تساعد على تحييد الآراء والاجتهادات الشخصية من جهة، واختيار المقاولين من جهة أخرى، وذلك من خلال نظام متكامل ممثلاً بنظام المشتريات الحكومية الذي يساعد الجهات على إدارة جميع مراحل التعاقد (ابتداءً من إعداد الشروط والمواصفات، وانتهاءً بالتسليم النهائي للأعمال المنفذة) لتحقيق أعلى مردود من تلك المشاريع، ولحفظ حقوق جميع الأطراف، إلا أن هذا النظام بحاجة دائمة للمراجعة والتحديث والتطوير، حيث ما كان مناسباً لمرحلة زمنية ومالية سابقة، قد لا يكون صالحاً حالياً في ظل الطفرة الاقتصادية، والعولمة، وغيرها من العوامل التي تستدعي التغيير، لذا يجب أن يكون التغيير عنصرا أساسيا في النظام، لا أن يكون دلالة أو تبريرا للقصور، وبذلك نكون قد ضمنا مواكبة التغيرات، وأن لا نفقد النتائج المرجوة من تلك المشاريع والميزانيات. إن الاعتماد بنسبة كبيرة، في اختيار المقاول المناسب لتنفيذ المشروع، على أقل الأسعار، والتصنيف فقط، يمثل دليلا واضحا على قصور وضعف النظام، لعجزه عن إيجاد عوامل فنية محددة ودقيقة، فأقل الأسعار قد يؤدي للتنافس غير المنطقي، فضلاً عن انه قد يجلب مقاولين دون المستوى المأمول، وأما المصنف فليس بالتأكيد أن يتميز بحسن التنظيم الإداري والفني، ولا المقاول الحديث ضعيف بالإطلاق، فالرغبة الصادقة والطموح من صغار المقاولين يمكن أن تكون الدافع القوي لانجاز أفضل وأنجح المشاريع، كما أن تربع عدد محدود من المقاولين على قمة التصنيف قد يؤدي إلى استحواذهم على أكبر عدد من العقود، ومن ثم توزيعها على صغار المقاولين من الباطن، والاكتفاء بفرض نسب من قيم تلك المشاريع لا من أرباحها. اننا حالياً وأكثر من أي وقت مضى نحتاج لتفعيل وتحديث التحليل الفني للمناقصات وذلك من خلال وضع معادلة تشمل عدة معايير، تضمن اختيار المقاول الأفضل والأنسب، وسأورد هذه المعايير بشيء من التوضيح، مع ملاحظة أن ما بين الأقواس يمثل وزن المعيار: أقل الأسعار (20%) التصنيف (15%) نسب إنجاز المشاريع القائمة لدى المقاول (25%) عدد مشاريع المقاول الحالية (10%) فترة توقف المقاول الزمنية عن المشاريع المماثلة (5%) توفر المعدات وفرق العمل المطلوبة للمشروع (25%) إن أقل الأسعار يمكن أن يتسبب في المستقبل القريب بتحميل الجهة تكاليف صيانة باهظة لما تم تنفيذه، قد تستدعي إعادة تأهيل -إذا سلمنا أن المقاول لن يقبل بالخسارة- فاستخدام مواد ذات مواصفات فنية رديئة وارد، وتأخير تنفيذ العمل ممكن، وضعف الإشراف والتنظيم والإدارة الذاتية من المقاول لا مفر منه، لذا فإن معيار أقل الأسعار يجب أن لا يكون بالمطلق، ولا حتى الأهم في معادلة التحليل الفني. وبالنسبة للتصنيف فالنظام يجيز لصاحب التصنيف المطابق لقيمة المشروع، أو لذي التصنيف الأعلى، الدخول في المناقصة دون تمييز بينهما، فمن الأجدر أن يكون لصاحب التصنيف المساوي لقيمة المناقصة أولوية، ومن ثم الذي يليه في التصنيف وهكذا، وذلك بهدف توزيع المشاريع على أكبر عدد ممكن من المقاولين، وعدم احتكار ذوي التصنيف العالي لتلك المشاريع. أما متوسط نسبة إنجاز مشاريع المقاول القائمة –إن وجدت- أو متوسط نسبة الإنجاز الشهري لآخر خمسة مشاريع قام المقاول بتنفيذها فهو يعكس أداء المقاول مع كل تحليل فني. وفيما يتعلق بعدد المشاريع القائمة، فالمقاول ذو العدد المحدود؛ يجب أن تكون الأولوية لصالحه، حيث ان كثرة المشاريع يمكن أن تتسبب بالتداخل المقصود، أو غير المقصود، من خلال تنقل المعدات وفرق العمل بين تلك المشاريع. وأما ما يخص فترة الانقطاع عن تنفيذ نوعية المشاريع المراد تحليلها، ومن ثم العودة، فذلك مدعاة لإضعاف فرص الحصول على المناقصة، أو بأقل الأحوال عدم تمكينه من الفوز بأكثر من مشروع. وآخر هذه المعايير هو عدم توفر المعدات وفرق العمل، رغم أن لدى المقاول الوقت الكافي لتجهيزها (من تاريخ الترسية إلى تاريخ استلام الموقع) فلا يمكن البدء بتنفيذ المشروع ما لم تكن المعدات وفرق العمل جاهزة. وفي الختام آمل أن تكون الآلية المقترحة قد أبانت بأن التحليل الفني ليس مجرد وصف، وإنما تقييم فاعل لاختيار الأفضل.