بين تلك الأحلام التي نمت.. ودفّأت القلب.. وذلك الواقع الوحشي.. استند تاريخ هذه اللحظة المغموسة في الطريق إلى الموت! وكأن الزمن قد اعتاد أن يصافحنا بأسئلته الباردة.. ثم لا ينتظر أجوبتنا التي يُفترض أن يصافحها من الباب الأمامي.. فيتجاوز ويسحبها من تلك النافذة الضيقة..! مُسجّى.. أنا هكذا هم يقولون.. أما أنا فلا أشعر بما أنا فيه.. متخففة من كل شيء.. باردة.. هائمة.. أرقد فوق ماذا؟ من حولي؟ أين أنا؟ دوائرمفرغة من كل شيء.. أين أنا؟.. وما هذه الدائرة الحتمية التي أدور فيها؟ ولماذا لا أستشعرحضور أحدهم؟.. أو أمتلك الحد الأدنى من الشجاعة لأخلّص نفسي من ما يغرقني اللحظة..! لا صلة لي باليابسة بعد اليوم.. تقدمت الأيام.. تاركة لي الاستغراق فيما أنا فيه.. أما هؤلاء الذين بين آن وآخر أستشعر وجودهم.. دخولهم.. وخروجهم.. إلى الغرفة الباردة.. المترمدة.. ليس لهم إلا الأحكام! وليس لهم إلا الاستناد إلى حماقاتهم.. والتسلي بمتفرعات الحكاية..! أكنتُ أخطط للحظة كهذه تدفع بي إلى السوء الأخير بعد أن عبرت كل خطوط السوء..؟ أكنتُ أعتقد أن للعمر دورة واحدة فقط..؟ وأننا نحن من يتحكم في مدى هذه الدورة .. تسريعها.. أو إيقافها..؟ قبل أن أتشارك هذه اللحظة التي يستغرقني فيها اللاشيء.. كانت أختي التي تكبرني تقول لي "اللعنة على سوء حظك"..! هل لأنني عجزت أمام الزمن في الدفاع عن كل ما أُخذ مني أو نُهب، أو سُرق..؟ دوماً كنتُ أتمازج مع ذلك الشقاء الاختياري في قاموس الآخرين.. والإجباري بالنسبة لي..! شقاء أعمى.. لا يرى.. ولكن كنتُ أجدالطريق رغم انعدام الرؤية.. ولم أتعثر حتى عندما يتعمق السواد ويدفعني إلى ملامسة العجز في احتمال ما أنا عليه.. والبحث عن مسار الرؤية..! منذ سنوات طويلة عظُمت آلام "روحي" والتبست عليّ تلك الأيام المتداخلة فجأة.. ربما قبل أن أخطو إلى منتصف الثلاثين.. قبلها أو بعدها بقليل.. لم أستطع أن أقرر ماذا أريد ؟ وما احتياجاتي كإنسان قبل أن أكون أنثى..؟ لم أستطع أن أكون محور اهتمام أحد.. تسلى الجميع بالمرور أمامي، وخلفي،وحولي، وكأنني ذلك الطريق الفارغ الممتد الذي لم يُعرف طريق أفضل منه..! لم أستغرق أحدا في الاهتمام.. ولم أستطع أن أفند ماذا أريد؟ وماذا يعنيني؟ هل أنتظر الموت؟ وهو ما سيأتي؟ ربما حتى هذه لم أعرفها.. تغيب الحياة وتتوزع الأشياءالتي لايريدها أحد وتصل إليّ..! أنا التي اعتدتُ أن أمدّ يدي لهم ويصفعني الألم عندما أفتحها وأجدها باردة، فارغة، متعثرة فيما لم تحصل عليه! "دوما" ترمدت لحظاتي بين عبث السكون، وبين ذلك الشبح "اليأس".. تضيق الغرفة فجأة.. وكأنها ما هو قادم.. تتغير الأصوات.. ولا تلتبس في بعضها كاعتيادي عدم التفريق. يتسرب صوت أختي فاطمة المتحشرج:الله يكون في عونها.. عاشت طيبة وحبيبة.. "وستموت".. لم تكمل اختنقت بالبكاء..! الله يسامح من كان السبب - إحدى قريباتي: الله يغفر لها ويرحمها ويسامحها ويعجل عليها ولا يعذبها..! .. حكمها عنده سبحانه وتعالى.. رحمن رحيم. أنا الغارقة في سريري.. في الموت البارد.. في لحظتي السرمدية التي تتوسع لتدفعني إلى هناك.. هناك.. حيث.. لم أكن شُجاعة يوماً.. ولم أكن مُغامرة يوما ما أيضا.. اعتدتُ على شكر الله دوما على نعمته.. وتحمدته كثيرا. هل هذه النهاية؟ هي بلا شك.. انتصر عليّ خلقه.. وهزمتُ نفسي.. هل أستحقُ نهايتي؟! (يتبع)