الحياة غالية لابد أن نعتني بها، والحياة قصيدة شعر جميلة يجب أن نحافظ عليها، ونستثمرها بالطاعات، والروح ليست مجرد كلمة نرددها ولكن يجب أن نحمد الله عليها. لكن هناك منغصات وسط الزحام تحط برحالها فمازالت الطرقات السريعة تئن بالقتلى والجرحى، وتبكي بدموع حارة، ومازال المتهورون مصرين على جنونهم وعجلتهم اللامسؤولة والتي تنم عن عمى بصيرة وتبصر وهذا الموضوع استفزني أنا شخصياً لدرجة عالية فالذي أعرفه أن الوحيد الذي من حقه السير بسرعة عالية هو الطيار ورائد الفضاء. وما زال المتهورون يتبعون ألف حيلة وحيلة للتخلص من قبضة الرصد المروري للمخالفات(ساهر) على مرأى العين قبل وبعد كل تفتيش!! مع بالغ شكري وتقديري للإدارة العامة للمرور لاستخدامها هذه التقنية العالية لملاحقة المتهورين ولكن.. ولعل من الضروري تغيير مسمى الخطوط السريعة إلى الطويلة مثلاً أو الخارجية أو الرابطة.. لأن التسمية توحي إلى المراهق بالذات أنه يجب أن ينطلق كالصاروخ مادام هناك مايسمى الطرق السريعة!! وقد فتحت المذياع يوماً لأنهل من معينه فسمعت برنامجاً يتحدث عن هموم الناس وسمعت رجلاً يحكي مأساته فيقول بصوت أبح: ابني الوحيد الذي فرحت لولادته وادخرته راعياً لي في كبري مات!! نعم مات. اشتريت له سيارة بعد تخرجه من المتوسطة!! وكانت سبباً في وفاته وبكيت لحالي وحاله وبكيت لحال كل أب له ولد متهور مثل ابني نعم ابني واعرفه إنه متهور!!أتجرع غصات وفاته كل حين صابراً مفوضاً أمري إلى الله. أبحث عن ولدي لا أجده أناديه لا يجيب!! لقد أصابتني لوثة وتحطم فؤادي حسرةً على ابني الوحيد أحاول أن أتماسك أن أتمالك دمعي ولكني لا أستطيع فقلب الوالد رهيف رحيم. لقد آل ابني إلى أرشيف ذكرياتي وانقطع الوصال وتقطعت الحبال. وعلى رصيف الأحزان بقيت أنتظر عودة ابني لي بلا جدوى فالمشتكى لله المولى. ولست أرى سوى السراب ، قلبي العجوز لم يعد يحتمل مابقي من حطام الذكريات وهذا الشتات. ولعل انعدام الحوار المنطقي وعدم التلطف بالنصيحة وعدم إشباع الجانب الوجداني والقسوة والإهمال أحد أسباب هذه الأخطاء من قبل المراهقين الذين لم نغص في عالمهم ونعرف كيف نتعامل مع هذه المرحلة الحرجة فتكون النتيجة عكسية. فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته. ابني أصغ إلي مالك لا تصغي؟!! أم قد أصابك الصمم؟! مالقلبك القاسي لا يلين ؟!إرحم توددي إليك وخوفي عليك فأنت فلذة كبدي وولدي الوحيد،لا تنكر جميلي وحق الله في طاعتي. ابني إنك كلما تأخرت ورن الهاتف رجف قلبي خوفاً عليك. ابني أنا كبرت وأريدك أن تجعلني أنام في عينيك وأتغطى ببرك وأتعطر بعطرك فكم سمعت عن تهورك وعجلتك في القيادة فالعجلة من الشيطان وكم دفعت فاتورة مخالفاتك المرورية وقد أثقلت كاهلي. ابني مازال مصراً على عماه وعلى عادته تهوراً وجنوناً في القيادة. ابني يجادلني وبكل قسوة يرد فيقول: أبي دعني أرجوك أنا رجل بلغت السادسة عشرة من عمري دعني وشأني أنا رجل!!دعني أحلق بسيارتي كيفما أشاء أنا شاب قوي سأسابق الريح بسيارتي وأثبت أن غيري ليس أسرع مني ولا أحسن مني!!. ابني حسبت أن ثمرة تربيتي قد آتت أكلها ولكن ياللأسف حسبت أن عقلك الصغير قد كبر وأنه الآن يخاطبك قائلاً: دع عنك مراهقتك، فمراهقتك طالت وأتعبتني أنا ووالدتك!! ولدي يرفع صوته ويرد: أنا سأجعل كل السائقين في إبطي وأتعداهم فليس أحد أحسن من أحد! حقاً إن من الأولاد عدو وأنت عدو وقد أعطيتني ظهرك اذهب فقلبي غضبان عليك. فكانت النتيجة حادثا مروعا أليما ذهب ولدي ضحيته. ولسان قلبي ينادي الروح الرياضية الجميلة في الشباب من هم في سن ابني أو يصغرونه أو يكبرونه قليلاً ويقول لهم: اهدؤوا فكم قتلت السرعة الجنونية من أناس بعضهم أبرياء ألم تسألوا أنفسكم أبنائي الشباب؟ أين هم المتهورون الذين ذهبوا ضحايا السرعة والتهور؟! إنهم في القبور وعلى السرير الأبيض يرقدون. انظروا إلى والديكم إنهم منتظرون في جعبتهم حنين في حنين. فاهربوا ياشباب من الموت والإعاقة ولا تتهوروا فالطريق ليس فضاءً ولا صراع ديوك. ابعدوا ياشباب عن شظايا السرعة ليتكم تجربون مرة وتعصون أنفسكم فاعتبروا ياأولي الأبصار. أما أنا فما زلت أفتش عن ولدي ولا أجده لقد ذهب ضحية تهوره وطيشه واستعجاله ومازلت أبكي على نفسي وعليه أهو حق أو يقين ما أنا فيه؟! أم ظنون؟! أم جنون؟!