موضوع حوار المسلمين مع المسيحيين بدأ منذ أزمنة طويلة ولكنه لم يُنه الخلافات التي تعمقت مع التاريخ الذي شهد الحروب والأزمات المتلاحقة، لكن الفرص عادت مع مبادرات مختلفة كان أهمها حين بعث الملك فيصل - رحمه الله - وفداً برئاسة الشيخ محمد الحركان وزير العدل إلى الفاتيكان من أجل إغلاق الفجوة بين الديانتين السماويتين، وتوّجها الملك عبدالله بزيارة خاصة التقى خلالها البابا وأعضاء من الكنيسة الكاثوليكية كانت موضع اهتمام خاص، ولم تقف الجهود فقط على تلك المبادرات حين اعتمدت المملكة مركزاً لحوار الحضارات والأديان، باسم مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في (فيينا) وهو نموذج عملي لإنهاء قطيعة قرون طويلة.. أمين عام التعاون الإسلامي البرفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي، آخر من ذهب للقاء البابا الراهن لطرح فكرة المصالحة بين المسلمين والمسيحيين استناداً إلى الجذور المشتركة الإبراهيمية بين الديانتين، وأهمية هذه الأفكار تأتي لأنهما الأكبر والأهم في عالمنا المعاصر من حيث الانتشار، ودورهما أن يتعايش العالم بسلام وفقاً لمنطلقاتهما الدينية والإنسانية يساعد على ذلك أن الأجواء المشحونة بالخلافات الدولية والتطرف سواء أكان دينياً أم عرقياً وقومياً ومذهبياً، هي خلف الكثير من المآسي التي قادت العالم إلى الصراعات بدعوى تسخير العقائد للمصالح الفئوية والسياسية.. قبل الحكم على نجاح أو فشل مثل هذه اللقاءات، فإننا نجد أن المسافة، وإن ظلت بعيدة، فإن طرفيْ القضية يمكنهما إلغاء قطيعة التاريخ بالعمل على التقارب وحسم الخلافات التي ستأتي لصالح العالم كله، لكن مع اعتبار أن هذه الخطوات ليست مسيّسة أو ذات أهداف مصلحية، فإننا بالمقابل نحتاج إلى حوار إسلامي - إسلامي يقف على حقائق الواقع الراهن بحيث لا نبقى سبعين فرقة، تضاعفت مع السنوات الماضية إلى المئات.. ورغم صعوبة الموقف لأنه يأتي وهناك أجواء طائفية ومذهبية مشحونة ولدت منها قوى متطرفة وإرهابية وبرؤية امتلاك كل طرف الحقيقة الكاملة التي تلغي ما قبلها وما بعدها جعلها تطغى على أي تقارب، مع أننا لا نجد بين المختلفين الفوارق على الأساسيات في العبادات وأركان الإسلام، إلا ما يحمله بعض المتطرفين، ولعل حسم الأمور لصالح الإسلام الجوهر والمعنى والشريعة، يعطي بعداً كونياً له سواء في الحوارات الدينية أو خلق تكتل عالمي يضعهم في مواقع القوة في المعادلات العالمية.. المؤكد أن التغلب على الخلافات وجذورها العميقة ومن يؤكدون على ديمومتها سيبقون على خطوط متوازية، إلا أن المصلحة العامة ربما تبعث الحكماء في بلورة عمل آخر يسد الفجوات التي ورثناها من صراعات الماضي، وهي مشكلة أشخاص قادوا الدين الإسلامي لأن يصل إلى واقع معقد مما تسبب في الأزمة التي فجرت المخزون الهائل من الأحقاد والدعوات المنافية للإسلام معتقداً وشريعة.. أصحاب الديانات السماوية قد يقابلون مبادرات الحوار بالقبول دون المس بأي معتقد، أو إعلان حرب عليه، وهذا سوف يوفر للجميع مفهوماً آخر مختلفاً عن الثارات القديمة ومواريثها، ولعل خطوات بدأت مع اجتهادات قادة وعلماء دين، وهي البداية لعمل طويل وشاق ولكنه في نتائجه سوف تكون حصيلته رائعة، طالما الجميع يتجه إلى عبادة الله وحده دون سواه، وأن دعوات هذه الأديان تصب في مصلحة ورعاية الإنسان وحماية حقوقه أو المس بها من أي طرف كان..