هكذا كانت مجالس الزمن الجميل، تزدان بالكرم والشجاعة، والعادات الأصيلة، والتي تتمثل في كثير من الأفعال التي تدل على جمال روح أهل تلك المجالس، وحبهم الشديد لكسب الناموس، وعلو الشأن.. ونطلب من الله -عز وجل- أن يزيد أعداد أهل الوفاء، والشهامة، وتلك المجالس العامرة بالرجال النبلاء، أهل القلوب الطيّبة، والمبادئ الحسنة، والسجايا الكريمة، وأن يعوّض على كل من فتح باب مجلسه للخير والكرم، وحباً للمراجل والمعالي، وقد ترجم الشعر مثل هذه المجالس الجميلة كقول مقحم الصقري العنزي في قصيدته الشهيرة (شيخة القصيد) ومنها: يا رب يا رحمن عاون هل الكار يا معاون العبد الضعيف وسعيفه اللي مجالسهم بها بن .. وبهار ونجرٍ يصوّت للمسيّر رجيفه اللي صيانيهم وسيعات وأكبار ومفطحات الحيل للضيف ضيفه تقليطهم للضيف قعدان.. وأبكار وحيل الغنم وقت السنين الحفيفه ومن أجمل ما يزيّن مجالس الرجال: الوقار والحكمة والهدوء، وكرم صاحب المجلس، وترحيبه بضيوفه، وإجلال القادمين إليه، والاحتفاء بهم، ولاشك أن البشاشة هي من أهم ما يميز صاحب المجلس، وغير ذلك من الأمور الحسنة التي تستحسن في مجالس أهل الطيب والكرم والتي يطول ذكرها ولا يصعب شرحها.. لكن المصيبة عندما يتواجد في المجلس من يكون خرابا له، ويفسد جماله، وصفاء جوه.. وفي هذا الاتجاه يقول الشاعر عبدالله بن محمد الشمري: لا صار بالديوان واحد من اثنين أما خبل .. ولا كذوبٍ .. مفوّه تقدر تسمّيهم خراب الدواوين زين المجالس كدّروا صفو جوّه إن سولفوا بالجود غيث المساكين أهل المكارم.. والسخا.. والمروّه هذه ملامح لبعض قصائد الشعراء ذكروا فيها تجاربهم عن مجالس الرجال التي ترحب بالرجال وتزدان بتواجدهم وسوالفهم وتجاربهم.. ومن أشهر تلك القصائد قصيدة محمد بن شلاح المطيري يرحمه الله التي يوصي فيها ابنه نمر بعدم قفل باب مجلسه: أمل الوجار وخلوا الباب مفتوح خوف المسيّر يستحي ما ينادي نبغى إليا جاء نازح الدار ملفوح وشاف البيوت مصككه جاك بادي يقلط بديوانٍ به الصدر مشروح ورزقه على رازق ضعاف الجرادي يا نمر مافي صكت الباب مصلوح ولا هي بلنا يا مظنة فؤادي