في مستشفى حكومي شهير قبل أكثر من عام، وفي غرفة الطوارئ المملوءة بالمرضى، كنت أتناقش مع أحد الأطباء حول أضرار الأشعة المقطعية وإعادة تكرارها مرة أخرى في يومين متتالين لوالدتي، كان الدكتور ينفي الضرر ولمعرفتي التامة أن ذلك النوع من تلك الأشعة تطلق سيلاً كثيفا من الإشعاع المؤين، فقد يكون هنالك ضرر محتمل لا قدر الله، حينها قال لي الطبيب: إنها غير مضرة واستعان بطبيب آخر يسأله عن مقدارها الفيزيائي فذهل بذلك المقدار الذي قد يوازي مجمله عشرات المرات من أشعة الصدر!. انفرد بي الطبيب الآخر واستطرد موضحاً أن هنالك منطقا طبيا كما يزعم يقول: إن زيادة عدد مرات تصوير الأشعة لشخص كبير في السن يعد عادياً، اعتماداً على مقولة "لم يتبق في العمر أكثر ما مضى". ومع أن لا علاقة لي بالطب، لكنني أرفض هذا المبدأ إنسانيا، فنحن نتكلم عن شريحة لها حق في الحياة، ويجب أن تكون حياتهم آمنة وأكثر رغداً وأحسن حالاً، هذه الفترة من العمر يجب أن تُحترم وتكون لها قداستها من حيث الرعاية بأعلى قدر من الجودة والاحترام، فمن الغرابة ألا نلحظ في مستشفياتنا أقساماً خاصة لطب كبار السن، فلا أظن أن التعامل مع هذه الفئة يكون فوضوياً كما هو الحال، فلكل مرحلة ظروفها واحتياجاتها من حيث الرعاية والطاقم الطبي المتخصص. على إحدى شاشات التلفزة الخليجية أشاهد ظهور طبيب أو طبيبة يحمل تخصصا دقيقا في هذا النوع من الطب (أعني طب كبار المسنين)، وحرياً أن نشاهد هنا رعاية وأطباء يستطيعون أن يتخصصوا في خدمة كبار السن، وتقديم الرعاية الفائقة لهم في كل مستشفى، وحرياً أن نضع يوما من كل سنة أو أسبوعاً للاهتمام بهم طبياً واجتماعياً. للأسف أن الثقافة العربية السائدة والمناداة المتكررة دوماً تركز في أن الحياة للشباب فقط، كل المتطلبات يجب أن تكون حصراً شبابية، ولكن لا بد أن نعرف أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الحياة كلها لمرحلة الشباب، وننسى المراحل العمرية الأخرى، فمن العقوق أيضاً أن نستبد بآرائنا كشباب، لأنها وليدة عنفوان العقل الجامح، وننسى أن خبرة الحياة قد نجدها عند المصابيح التي تنير حياتنا وهم: (كبار السن). لنفكر كأصحاب قرار ومجتمع أن نوفر أقساماً خاصة لطب كبار السن في المستشفيات تقدم لهم الخدمات، وبيئة اجتماعية ومالية تساعد ذلك المسن في الخلاص من إجهاد عمل أو وظيفة أجبرته الظروف عليها بعد تقاعده حتى يوفر لقمة لمن معه في بيته، ولا أظن أنه غاب عن مسامعنا ذلك التكريم المادي في إحدى دول الخليج الذي تحول إلى راتب مجزأ وثابت لكل سيدة تجاوزت الخامسة والخمسين من عمرها. يجب أن نقبل بأن الحياة بمجملها على مسرح الأرض ليست حكرا لأحد، بل هي للجميع في جميع مراحل العمر، فلهم فيها نفس الحقوق ونفس الشراكة!