اقترح الباحثان السعوديان د. عبدالعزيز بن علي الغريب ود. ناصر بن صالح العود برنامجاً يوفر الحماية الاجتماعية الشاملة لكبار السن ويقيهم نتائج الإساءة الموجهة إليهم من مجتمعاتهم محلياً وعربياً وعالمياً. يأتي هذا المقترح ليوجد حلاً لظاهرة الإساءة لكبار السن والتي أظهرت الدراسات أنها أصبحت.. عالمية! تظهر هذه الإساءات في مجتمعاتنا العربية المسلمة رغم أن ديننا الإسلامي حثنا على رعاية كبار السن والإحسان إليهم والبر بالوالدين "وقد وردت أحاديث كثيرة تضمنت بعض التخفيفات الشرعية عن المسنين في الصلاة والصوم والحج"، إلا أن الباحثين وجدا صوراً من الإساءة لكبار السن - وإن كانت الدراسات العربية في هذا الشأن قليلة وغالبيتها دراسات نظرية - وقد استعرض الباحثان حجم ومظاهر الإساءة في بعض مجتمعاتنا العربية "المصرية - الأردنية - السودانية - ودول مجلس التعاون الخليجي. واتضح من دراسة سابقة طبقت على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تبين فيها أن مرحلة تقدم العمر لا تمثل مشكلة بالنسبة للمواطنين، وأن مواقفهم من فئة كبار السن إيجابية، ولا يرون فيهم عبئاً، وإن كانت النسبة ليست عالية بالصورة المطلوبة، كما توصلت الدراسة إلى إيجابية المواقف والاتجاهات نحو المسن في الأسرة، وأن هناك إشكاليات فيما يتعلق ببعض المسائل المرتبطة بأساليب رعاية كبار السن، وفرص الانتفاع منهم في المجتمع. أما غربياً فتذكر الإحصائيات في الولاياتالمتحدةالأمريكية أن (33%) من حالات القتل التي تحدث لكبار السن فوق عمر 65تم ارتكابها بواسطة أحد أفراد الأسرة التي يعيش معها المسن، وأن غالبية أعمال العنف التي ترتكب ضد كبار السن تأتي من قبل الأشخاص الذين يعيشون معه خصوصاً أولادهم، وأن النساء أكثر ارتكابا للعنف ضد كبار السن، وأن غالبية أعمال العنف التي ترتكب ضد كبار السن يكون سببها ماليا. ويأخذ مفهوم "العنف ضد كبار السن" عدة تعاريف يذكر الباحثان من بينها المفهوم الذي اتخذته منظمة الصحة العالمية عام 2002م، وتم تبنيه من قانون المملكة المتحدة الصادر عام 1995، بأنه: "الاعتداء على كبار السن مرة أو عدة مرات بما يسبب الإيذاء النفسي أو الجسدي، أو التعامل غير الحسن مع كبار السن جراء العلاقة غير المتوازنة". وتتنوع مظاهر الإساءة للكبار في المجتمع وتبدأ من اقل أنواع الإساءة "والمتمثلة بالإساءة اللفظية، أو حتى بالإساءة من خلال التعبير الخارجي، أو الإشارة الرمزية"، وتصل حتى العنف الجسدي الذي قد يؤدي إلى نهاية كبير السن، في ظل الضعف البدني الملازم به. ويذكر أن هناك تعدداً في الأشخاص القائمين بالإساءة ضد كبار السن، سواء من داخل النسق الأسري، أو من المواطنين بالرعاية، أو داخل النسق المجتمعي. مما يعني أن قضية الإساءة ذاتها، قضية شمولية تعنى بالنسق والبناء الاجتماعي. ومن هنا تأتي أهمية وضع برنامج يحميهم يشتمل على جميع المواقف والحالات التي يتعرض من خلالها المسن للإساءة. أما عن أبعاد ظاهرة الإساءة للكبار في العالمين الغربي والعربي وفي مجتمعنا السعودي خاصة فقد وجد الباحثان د. عبدالعزيز بن علي الغريب أستاذ علم اجتماع المشارك، ود. ناصر بن صالح العود أستاذ الخدمة الاجتماعية العيادية المساعد بجامعة الإمام، أن هناك تنوعاً في التفسيرات المرتبطة بظاهرة الإساءة، مما أدى إلى تنوع أسباب حدوثها، منها مرتبط بالسمات الشخصية للمسن نفسه، أو للقائم بالإساءة. كما اتضح تشابه كبار السن مع الفئات المستضعفة في أن تكون فريسة سهلة لحدوث الإساءة ضدها. وفي السياق الاجتماعي تبين أن التفاعل الاجتماعي للمسن مع الآخرين، إما قد يكون سبباً في حدوث الإساءة ضده "خصوصاً عندما يرتبط ذلك بقدرات مالية لديه"، أو بعده عن العزلة الاجتماعية التي تعيده للتفاعل مع الآخرين. وبالتالي التقليل من حدوث الإساءة ضده. لكن سمات المسن المتعرض للإساءة، أو الأسباب المهيأة للإساءة ضد كبار السن، فقد وجد الباحثان أنها تختلف في بعض أسبابها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية عنها في المجتمع الغربي. وذلك بحكم القيم الحاثة على رعاية كبار السن والمنبثقة من الكثير من النصوص الشرعية، أو القيم العربية، مما يعني اختلاف في تلك الأسباب ما بين المجتمعات حسب ثقافتها وقيمها. ومن خلال مسح كيفي من قبل الباحثين لمجمل الدراسات التي تناولت كبار السن في المجتمع السعودي تحديداً حتى عام 2004م، تبين لهما أنه ليس هناك أي دراسة تناولت ظاهرة الإساءة، أو العنف، أو الإيذاء ضد كبار السن في مجتمعنا السعودي، بل قد لا يكون هناك آية دراسات تناولت هذه الظاهرة حتى من الجانب النظري. والإحصاءات لا زالت قليلة جداً في هذا المجال. لذلك اعتمد الباحثان في تحليلهما لظاهرة الإساءة ضد كبار السن على نتائج بعض الدراسات التي تناولت كبار السن في المجتمع السعودي، من خلال البحث عن بعض المتغيرات التي يمكن أن تعطي مؤشراً على وجود إساءة ضد كبار السن. وقد توصلت تلك الدراسات للعديد من النتائج التي تعطي مؤشرات معينة حول أوضاع كبار السن في المجتمع السعودي، والتغير الاجتماعي الذي أصاب هذه المرحلة في المجتمع السعودي. وفي ضوء ذلك استطاع الباحثان د. الغريب ود. العود تحديد أهم أشكال الإساءة لكبار السن في المجتمع العربي وذلك في عدة نقاط منها (الإساءة الجسدية - الإساءة داخل الأسرة كالإهمال والتهديدات - الإساءة داخل مؤسسات الرعاية- الإساءة في نقص الخدمات المقدمة لهم - الإساءة في الحياة الاجتماعية كالنظرة الدونية لهم وتعرضهم للعنف - الإساءة من خلال وسائل الإعلام كإظهارهم بصور سلبية). وقد توصل الباحثان في ختام استعراضهما لواقع الإساءة للكبار محلياً وعربياً وغربياً، والتعريف بأهم ما توصلت إليه الدراسات السابقة في هذا المجال، إلى طرح مقترح لبرنامج الحماية الاجتماعية الشاملة ضد الإساءة لكبار السن يحدد جميع أشكال الحماية المطلوبة، وتأتي أهمية هذا المقترح وفق جانبين أولهما "تعدد مظاهر الإساءة الموجهة ضد كبار السن"، وثانيهما "التغير النوعي لحياة كبار السن" حيث يعاني المسن في كبره من تغيرات كثيرة في حياته العملية والأسرية، تؤثر بشكل كبير على نفسيته وتوافقه الاجتماعي ومن أهمّها (التغيرات الاقتصادية- الفقر - الاتجاهات الاجتماعية السلبية نحو كبار السن - عدم توفر فرص عمل تناسبهم بعد التقاعد - عدم وجود برامج لقضاء أوقات فراغهم- عدم توفر التوجيه والإرشاد الاجتماعي والعلاج النفسي المناسب لهم- فقدان المكانة الاجتماعية- تعرّضه للأمراض - فقده لأصحابه- بعد أولاده عنه لزواجهم أو انشغالهم في أعمالهم الخاصة. في ضوء ذلك يأتي مشروع الحماية الاجتماعية المقترح لكبار السن ليتضمن الجوانب التي تبرز فيها مظاهر الإساءة التي يتعرضون لها.وفيما يلي المؤشرات العامة لجوانب الحماية الاجتماعية لكبار السن وفق البرنامج المقترح: @ الحماية الأسرية: أكدت الدراسات الحديثة أن للأسرة دوراً هاماً في رعاية كبار السن، وإشباع احتياجاتهم الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية، بل ومساعدتهم على زيادة فرص تكيّفهم في المجتمع مع الأقارب والجيران والأصدقاء وزملاء العمل السابقين، بل والأصدقاء الجدد الذين يدخلون حياتهم بعد بلوغهم سن المعاش "ومن أدوارها أيضا" تدريبه وتوجيه سلوكه وانفعالاته وتصرفاته بما يسهم في زيادة فرص تشكيل شخصيته التشكيل الجديد المتوافق مع متطلبات هذه الحياة الجديدة، وبما يسهم بالفعل في إشباع حاجاته، ومساعدته على التوافق الذاتي والاجتماعي. كما أن دعم المجتمع "من الأهل والجيران والأصدقاء وحتى الدولة" لأسرة يسكن فيها مسن شيء مهم لا يمكن إغفاله، سواء كان هذا الدعم ماديا أو معنويا. وهذا يسهم في تعزيز دور الأسرة لرعاية لكبار السن. فعلى الجهات المسؤولة توفير ما تحتاجه هذه الأسر من الأمور المادية والمعنوية. كما انه على أفرد الأسرة الحرص على بعض المهارات الاجتماعية عند تعاملهم مع المسن، ومنها) أنّ المسن يحتاج إلى الحنان والعطف والرعاية- عدم الإلحاح ومطالبته بأشياء لا يرغب في فعلها- يجب إعطاؤه الوقت الكافي لإنجاز ما يريد عمله- عدم مؤاخذته على تصرفاته في الأسرة- إتاحة الوقت الكافي له لإبداء ما يريد قوله، مع إعطائه أهمية بالغة لحديثه، والإقبال عليه كليا- إعطاؤه الحرية الكاملة للتصرف في أمواله وفق الطريقة التي يشاء). @ الحماية المجتمعية: من برامج الحماية المجتمعية لكبار السن التي ذكرها الباحثان في مقترحهما (توفير مشاركة كبار السن في خدمة المجتمع ليكونوا قدوة للآخرين -الاستفادة من خبراتهم الحياتية الطويلة كمستشارين لحل كثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية بالمدينة أو المحافظة أو القرية المتواجدين بها- إيجاد المؤسسات العامة التي يستطيعون فيها أن يشبعوا حاجاتهم البدنية، ويتمتعوا فيها بملء ساعات الفراغ، وأن يواصلوا تعليمهم، ويحصلوا فيها على ضرورياتهم وعلى الخدمات التي يحتاجونها - إنشاء جمعيات أصدقاء كبار السن تعنى بشؤونهم، وسوف تكون بمثابة اعتراف من الدولة بأهمية هذه المرحلة، وبضرورة قيامها برعاية الواقعين في نطاقها وأن تتضمن هذه الجمعيات جميع الرعاية الضرورية لكبار السن اجتماعيا ونفسيا وصحيا واقتصاديا). * الحماية الصحية: المؤسف أنّ المتّبع حاليا بالنّسبة لكبار السن هو إهمال الوقاية الصحية والانتظار حتى وقت وقوع البلاء والوقوع تحت وطأة المرض، ثمّ اللجوء إلى الطب طلبا للمساعدة. ويتضح أنّ سبب هذا الإهمال هو الإحساس بأنّ الشيخوخة نهاية المطاف من عمر الإنسان، وأنّها لا تستحق ما يدّخر لها من وقت وجهد ومال. وهناك أمور كثيرة يمكننا الارتكاز عليها في مجال الحماية الصحية لكبار السن أهمها (الفحص الشامل الدوري على المسن باستمرار، لاكتشاف التغيرات المستجدة عليه، والكشف عن الأمراض مبكرا- التأهيل الطبي الشامل باستعمال الأجهزة لتحسين أداء الأعضاء وزيادة الفاعليات اليومية- تخصيص أجنحة خاصة بهم في المستشفيات، وإعفائهم من تكاليف العلاج والبقاء في المستشفى- عمل الإجراءات الوقائية التي تمنع تدهور حالة المريض الصحية وتتمثل في الفحص الوقائي للسعي للكشف المبكر على الأمراض وعوارضها، والوقاية من الأمراض المعدية، وتنمية الوعي الصحي بين المسنين وذويهم، وكذلك تقييم الحالة الغذائية دوريا لمنع الإصابة بسوء التغذية ومحاولة تخليصهم من التدخين وتناول الأدوية بدون وصفة طبية، مع التوعية بكيفية استخدام الأدوية لتجنيبهم من آثارها الجانبية الضارة، والعمل على وقايتهم من الحوادث والإصابات والسقوط، ثم تشجيعهم على بعض الرياضات الخفيفة لتنشيط الدورة الدموية في جسمهم، والعمل على دمجهم في المجتمع، والاستفادة من خبرتهم لرفع معنوياتهم. @ الحماية الاقتصادية: في هذا العالم المادي يتطلع كبار السن إلى الحصول على احتياجاتهم الأساسية، وتلبية رغباتهم في المجتمع، وعلى الدولة أو المؤسسات الاجتماعية أو الخيرية أن توفر هذه الحاجات، وتحقق هذه الرغبات. وقد تقل نفقات المسن على متطلباته الشخصية، ولكن هذه النفقة تزداد لديه وبشكل ملحوظ لتأمين العلاج من الأمراض التي تعتريه، والدواء الذي يكون مهما جدا له، والذي يكون في الكثير من الأحيان قاصما لظهره بسبب السعر والطلب عليه. لذلك يجب أن نوفر لكبار السن حاجات ومساعدات تمكنهم العيش بأمان واستقرار، باعتماد أسس محددة، فبالنّسبة للسكن يمكن إعفاؤهم من إيجارات شققهم التي يقطنونها، أو تخفيفها عليهم بعد بلوغهم سنا معينة، وكذلك إعفاؤهم من الرسوم المستحقة عليهم، أو خفضها، وتخفيض سعر الوحدات الأساسية لمن بلغ هذه السن، من الكهرباء والماء والهاتف وما هنالك، ثم توفير المساعدات العينية والخدمات المجانية لهم من قبل الآخرين وخصوصا المؤسسات العامة، والجمعيات الخيرية، بالإضافة إلى توفير فرص عمل مناسبة لكبار السن، وتنظيم المناشط الخاصة بهم على جميع المستويات، ثم إيجاد موارد مالية لهم بديلة عن النقص الذي أصاب راتبهم بسبب التقاعد. @ الحماية الإعلامية: إنّ الأهداف الأساسية من الحماية الإعلامية لكبار السن هي حماية الصورة الذهنية عنهم بين أفراد المجتمع، والتي تظهرهم غالباً بشكل سلبي أو منفر، مما يجعل من الضروري أن يتضمن ميثاق الشرف الإعلامي بعض الجوانب كمحاربة الإساءة النفسية لكبار السن في وسائل الإعلام، ومراعاة أن تكون الصورة تعبر عن حقيقة هؤلاء الكبار وواجب المجتمع اتجاههم، ومقدار الجهد الذي يقومون به في خدمة مجتمعهم، مع ضرورة الابتعاد عن الصور المسيئة لهم، أو التي تقلل من شأنهم كفئة على المجتمع واجب حمايتها. @ الحماية القانونية: بدأ كثير من المجتمعات بسن التشريعات المرتبطة بالحماية الاجتماعية لبعض فئاتها كفئة الأطفال، والمعوقين، والنساء، وظل كبار السن بعيداً عن تلك الفئات، رغم تعرضهم لنفس أشكال الإساءة التي تتعرض لها الفئات الأخرى. ومن الأهمية بمكان تضمين هذا النوع من الحماية على جوانب شاملة تؤّمن معرفة كبار السن بحقوقهم (كي يعرفوا أن من أهم حقوقهم الإخبار عن حالة العنف التي يتعرضون له(، وعلى الأهل أن تكون لهم دراية في كيفية التعامل مع الإساءة أياً كان نوعها في حالة حدوثها(بمعنى أن تكون لهم دراية في كيفية الحصول على المساعدة في حالة التعرض للعنف أو الإساءة، بحيث يوضع رقم يسهل حفظه خصوصاً بتلك الحالات)، فمن الضروري توفير خطوط المساعدة الهاتفية التي تتلقَّى بلاغات إساءة المعاملة للأشخاص الذين تعرَّضوا لإساءة المعاملة، أو الإهمال، أو الاستغلال- وعلى المؤسسات بالمقابل أن تهيئ للموظفين فيها الأجواء المناسبة لأجل تحمل مسؤوليتهم إزاء أي خطر، ومن المهم جداً الدعم الجماعي لما له من الدور المهم لأداء أفضل، بحيث يكون كل فرد مسؤولاً عن عمله وعن حماية مجتمعه من الإساءة عبر تغيير جذري في فكره السلبي. وعلى المجتمع بمؤسساته التشريعية وضع قوانين وتشريعات صارمة تمنع المساس بحقوق كبار السن والتعدي عليهم، ومعاقبة من يفعل ذلك سواء داخل البيوت، أو في الأماكن العامة، أو في مؤسسات الرعاية.