إذا تطرقنا لتاريخ الفن منذ بداية فنون عصر النهضة الأوربية الى نهايتها"أواخر القرن الرابع عشر- القرن الثامن عشر" سنجد أن أغلب ما ذكرته كتب تاريخ الفنون فى هذه الحقبة التاريخية هم رواد من الرجال ازدحمت صفحاتها بأسمائهم، فالمتتبع أو الباحث فى تاريخ الفن سيجد أن ما ذكره التاريخ أسماء لمعت على صفحاته لرواد من الرجال أمثال مايكل أنجلو، دافنشى، ديورل، بورجل، رافئيل، بيلينى، بوتشيلى، تيتان، أوسيلو، فان آيك. ويأتي سؤال مهم ألم يكن للمرأة التشكيلية الأوربية دور في هذا التاريخ وإذا كان لها دور أسوة بالرجل فلماذا أهمل في تاريخ الفن؟ ولعل هذا السؤال يحتاج لإجابته كثيرا من البحوث والمراجع دعونا نستعرض معا في البداية النتيجة التي توصلنا لها لتاريخ وإنجازات الفنانات التشكيليات الرائدات في هذه الفترة من التاريخ وهن كما يلي: الفنانة الإيطالية سانتا كاترين التي لقبت بكاترين بولينيا Catherine de Virgie 1413-1463"" تنتمي كاترين الى عائلة أرستقراطية وكانت فنانة تشكيلية بالفطرة وأنشأت دارا لمساعدة الفقراء وأنتجت أعمالا فنية تنتمي الى معتقداتها الدينية. وأيضا الفنانة بروبيزايا دي روسي " Properzia de Rossi 1490-1530" التي ولدت في بولونيا وتتلمذت على يد النحات المعروف رافاييل وأنتجت مجسمات من الرخام الناعم غاية في الدقة والمهارة. الفنانة البلجيكية لافينا "Lavina Teerlinc 1510-1576" تخصصت في رسومات الوجوه بأحجام صغيرة كما أنها رسمت العديد من اللوحات للملكة البريطانية ماري وأبناء الملك هنري الثامن وغيرهم. الفنانة الإيطالية صوفنيسيا"Sofonisa Anguissal 1531-1626" كانت أوفر حظا من قريناتها إذا إنها تنتمي الى عائلة من النبلاء كان جميع بناتها الخمس يمارسن الفن وسافرت صوفنيسيا بعد ممارستها الفن لأربع سنوات بدأتها في عمر الاثنين وعشرين عاما الى روما حيث تتلمذت على يد الفنان العالمي "مايكل أنجلو " وأنتجت أعمالا فنية على مدار عقود من الزمن حتى أتتها المنية في عمر الخامسة والتسعين، كان لصوفنيسيا أخت أصغر منها هي الفنانة لوسيا والتي توفيت في عمر الاثنين والثلاثين عاما ولكنها كانت أيضا من الفنانات المرموقات والمبدعات حينذاك الوقت، كما كانت هناك شهرة عظيمة للفنانة الإيطالية ديانا سكيلتوري" Diana Scultori 1547-1621" في مجال الحفر وتعد من أوائل الفنانات التي سمح لهن بتوقيع أعمالهن. الفنانة الإيطالية لافينا فونتانا" Lavinia Fontana 1552-1614" كانت أول امرأة يسمح لها بدخول الأكاديمية الإيطالية حيث لم تكن المرأة مسموح لها في أوروبا حين ذاك الوقت بالتعليم في الجامعات فحققت لافينا هذا النجاح والتحدي برغم أنها أم لأحدى عشر من الأبناء ولم يكن مستغرب أن تحقق هذا النجاح الذي ساندها فى تحقيقه والدها الفنان المعروف فونتانا وأيضا زوجها الفنان التشكيلى بولو سابيا. الفنانة ماريتا روبيستي" Marietta Robusti 1560-1590" ولدت بمدينة البندقية بإيطاليا من أب فنان مشهور وعرفت بلوحاتها التي تنتمي الى الخيال الجامح وتصوير الأساطير. الفنانة الفرنسية هيذر أنجلي " Esther Inglis 1571-1624" هاجرت مع عائلتها الى اسكتلندا واشتهرت برسم المخطوطات وكتب الأطفال، والفنانة الإيطالية فيدي جالزايا " Fede Galizia 1578-1630" اشتهرت برسم الطبيعة الصامتة التي احتوت أغلبها على رسم الفاكهة والورود. الفنانة أرتميسيا جنتولتشي " Artemisia Gentileschi 1593-1665" ابنة فنان ومضت حياتها تتنقل في السفر بين المدن الإيطالية وعرفت بالأسلوب الدراماتيكي في إبراز الشخصيات النسائية في لوحاتها، والفنانة الهولندية جيريدت " Geertuydt Roghman" التي ولدت عام 1625 م عرفت بلوحاتها الفنية التي تمثل أشغال واهتمامات الحياة اليومية للمرأة. الفنانة البريطانية ماري بييل " Mary Beale 1632-1697 " ابنة فنان وتزوجت من فنان أيضا واشتهرت برسم الوجوه بنعومة وحاسة فنية مرهفة كما أنها كانت مدرسة فنون. ولدت الفنانة الإيطالية إليزابيث سيرينى "Elisabetta Sirrani 1638-1665" من أب فنان أيضا وعرفت بمهارتها في الأدب والشعر والموسيقى وتوفيت مسمومة وعمرها سبعة وعشرون عاما أنتجت خلالها مئتي لوحة فنية. هناك أخريات من عباقرة الفنون مثل الفنانة ماري كاسيت، وفريدا كارلو وغيرهن ظهرن واشتهرن بعد هذا التاريخ الذي استعرضناه ولكننا تطرقنا الى حقبة تاريخية تجاهلت فيها إنجازات المرأة التي لم تقل عظمة وتقديرا إبداعيا أسوة بالرجل ولم يوف تاريخ الفن حقها في إبراز هذا الدور الرائد في تاريخ الفن، وإذا تطرقنا الى سبب وجود هؤلاء المبدعات على صفحات البحوث الفنية الأوربية سنجد أن أغلبهن إما انتموا الى عائلات أرستقراطية أو فنية اقتصرت على توثيق تاريخهن في مدونات وأعمالهن الفنية خلدت وفرضت نفسها على خريطة الإبداع، ولم تكن المرأة الأوربية مسموح لها بالتعليم إلا فيما يصب في مصلحة الزوج فكانت العائلات الارستقراطية تحرص على أن تتلقى بناتها تعليما خاصا ببيوتهن من قبل مدرسين خاصين من باب التباهي والعظمة وقد يذهل البعض في معرفة أن المرأة الأوربية لم يتجاوز تاريخ دخولها الجامعات حتى وقت قريب يزيد قليلا عن قرن من الزمان ! وعلى أي حال ....قد يرى البعض أن انشغال المرأة بهموم منزلها ومهمتها كأم قد تكون من الأسباب التي تعيق إنتاجها أو تطورها الفني ولكننا وجدنا في حالة الفنانة لافينا فونتا الأم لأحد عشر من الأبناء قد نجحت مع هذه المسؤولية الضخمة بأن تضع أقدامها وتوازي بين نجاحها في الأمومة والفن معا، ولعل هذا يرجع الى وعي عائلتها لقيمة الفن كعلم وجهد ثقافي ورسالة إنسانية نبيلة تتطلب الكثير من الكفاح والمثابرة. نستخلص من هذا الاستعراض المختصر أن تاريخ الفن الأوربي قد أهمل دور رواده من النساء اللواتي واكبن الرجال وكن أسوة في العطاء الإبداعي.