متحف "اللوكسمبور" في باريس داخل حديقة اللوكسمبور من المعالم البارزة في العاصمة الفرنسية، موقعة داخل تلك الحديقة التاريخية الرائعة يمنحه طابعاً خاصاً، كما يكسب المعارض السنوية التي تقام فيه نكهة مميزةّ، وهو يستضيف اليوم أعمال الفنان التشكيلي لوقا كراناك الذي يعدّ أحد كبار الفنانين الألمان في القرن السادس عشر. ويأتي هذا المعرض في إطار التعاون الثقافي بين دول الاتحاد الأوروبي من أجل دعم سياسية ثقافية تبرز التراث الفني الأوروبي عبر العصور مؤكّدة قواسمه المشتركة على الرغم من الصراعات السياسية والحروب الدموية التي عرفتها القارة الأوروبية. تمتّع الفنان كراناك بموهبة كبيرة وتميّز بأسلوبه المتمرد على كثير من قيم عصره، غير أنّ نتاجه ظلّ مجهولاً في فرنسا لأسباب عدة أهمّها أنّ المتاحف الفرنسية كانت، عندما تريد التعريف بإبداع عصر النهضة، تولي اهتماماً كبيراً بتراث الفنانين الإيطاليين ومنهم بالأخصّ رافاييل وليوناردو دافنشي وتيسيانو وميكيل أنجلو، لقد كانت روما هي المدينة التي يحجّ إليها الفنّانون الفرنسيون منذ القرن السابع عشر للتعرف إلى آثارها التاريخية وصروحها المعمارية ونتاج فنانيها الكبار. أما العلاقات الثقافية مع ألمانيا فأخذت أبعاداً أخرى، وهذه أول مرة تخصص فيها باريس معرضاً استعادياً شاملاً للفنان كراناك، وهو يحظى بتغطية إعلامية واسعة في الصحافة الفرنسية التي أكدت على تفرّد الفنان وكشفت عن الظروف التاريخية والثقافية والاجتماعية التي تبلورت فيها تجربته. ولد كراناك عام 1472 وعمل لمدة خمسين عاماً في مدينة ويتينبرغ ممّا سمح له بأن يؤسس علاقات شخصية متينة مع أمرائها ومع رجل الدين مارتن لوثر الذي لعب دوراً أساسياً في حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر، عام 1508 سافر كراناك إلى هولندا وتعرف على نتاج مبدعيها وتأثر بهم كما تأثر بالفنانين الايطاليين وكذلك بنتاج الفنان دورير، أحد ألمع الفنانين الألمان وكان اشتهر برسومه المحفورة على الخشب واهتمامه بالعلوم ومنها الرياضيات، وركّز في أعماله على عنصري التناغم والانسجام مع نزعة إنسانية عالية. حققت أعمال كراناك، منذ بداياته الفنية، نجاحاً كبيراً، وغدا الفنان الرسمي لعدد من الملوك والأمراء ومنهم الإمبراطور مكسيميليان الأول الذي طلب منه إنجاز اللوحات الزيتية والمحفورات التي تنوعت مواضيعها وكان العنصر الطاغي فيها حضور المرأة وبصورة لم نعهدها عند فناني عصره، في موازاة هذه الأعمال، تطالعنا لوحات كثيرة تمثّل الوجوه وتنطوي على رؤية جديدة تزاوج بين العناصر الواقعية والأبعاد الإنسانية ومن أشهرها اللوحات التي تمثّل صديقه مارتن لوثر وتحتل حيّزاّ هاماً في المعرض.