لا تكاد تخلو أسرة من الخلافات الزوجية التي تنشأ لأسباب مختلفة، كما من الصعب على البعض إخفاء تلك الخلافات؛ وضغوطها النفسية التي تقسم ملامح الوجه والقلب إلى مشهد حزن وقلق، حيث تؤثر كثرة التفكير وعدم القدرة على التركيز على أداء الفرد الاجتماعي والعملي، لا سيما حين يكون الزوجان موظفين، إذ لا يستطيعان السيطرة على ما بداخلهما، فيدفعهما ذلك إلى عدم أداء العمل بالشكل المرضي والذي كانا عليه قبل نشوء المشكلة، وأياً كانت الأسباب فالشعور بتشتت التفكير والضغط النفسي والذهني أمر حتمي، حيث يندر أن تجد من يعيش حياة مليئة بالضغوطات ولا تؤثر على إنتاجيته بصورة كبيرة، خاصة إذا كان يعاني من حساسية زائدة. سلبيات مترتبة وأوضحت "أم خالد" -موظفة وحدة تطوير المدارس بتعليم حائل- أنّ المشاكل الزوجية سوف تنعكس بصورة لا شعورية على العمل، وتؤثّر على الأداء الوظيفي، حيث تظل تتردد في ذهن المتضرر من هذه المشاكل طوال الوقت؛ مما يسلب منه تفكيره وممارسة العمل بالشكل الطبيعي، لا سيما إذا كان يعاني التشدد أو الحساسية الزائدة، مؤكدة على أن الإهمال وعدم المحافظة على العمل وأدواته، وإضاعة الوقت والتأخر عن العمل، وكثرة الأخطاء، وسوء المزاجية في العلاقات مع زملاء العمل تترتب عليها سلبية في أداء الموظف أو الموظفة. مدير غير متفهم ورأت "تهاني الغربي" -موظفة قطاع خاص- أنّ الضغوطات النفسية التي تتسببها الخلافات الزوجية لا تقتصر على أداء العمل، بل تمتد إلى العلاقات مع الزملاء، فيصاب الموظف بحالة من الملل، والكآبة، والاضطراب، مبيّنةً أنّ من الواجب على الزوجين تلاشي أو تجاهل المشاكل، خصوصاً الصغيرة؛ لأنّها أيضاً قد تؤثر على السلوكيات في العمل، وتخلق توتراً لدى الموظف؛ مما قد يسبب تأخراً في الأداء الوظيفي. العمل ليس مكانك لإثارة المشاكل الأسرية وأضافت أنّه إذا كان المسؤول عن الموظف غير متفهم فهذا يزيد المشكلة تعقيداً، حيث أنّ بعض المديرين لا يتفهمون مشاكل زملائهم الأسرية؛ مما يقوده للضغط عليهم في العمل، وقد يؤدي ذلك إلى الفصل أحياناً من الوظيفة إذا ساءت سلوكياتهم مع الزملاء، متسائلةً: ما ذنب الزملاء والمراجعين في مشاكل الموظفين؟، معتبرةً أنّ جلب المشاكل الأسرية إلى العمل نوعٌ من عدم الالتزام بمتطلبات الوظيفة، وضعف تقدير المسؤولية بفصل العمل عن الحياة الأسرية. طاقة للإبداع واعتبرت "حسناء الحماد" -موظفة بوحدة تطوير المدارس بتعليم حائل- أنّ المشاكل الزوجية لا تؤثر على العمل، مشيرة إلى أنّ المشكلات تعطي طاقة أكثر للإبداع؛ لأنّ الشخص يضاعف إنتاجيته حتى ينسى تلك المشاكل، مبيّنةً أنّ المشاك الأسرية يجب أن لا تؤثر على العلاقة مع الزملاء في العمل، إذ يجب أن يكون الفرد أكثر استعداداً لتقبل الأزمات، ولا يخلط بين العمل والمنزل، حيث إنّ ذلك يعدّ خرقاً للخصوصية وإفشاءً لأسرار الحياة الزوجية؛ مما قد يؤثر على علاقة الشخص وسلوكياته في حياته بشكل عام. سلوكيات العمل ولفتت "نورة البقعاوي" -المشرفة التربوية بإدارة توجيه وإرشاد الطالبات بإدارة التربية والتعليم بحائل- إلى أنّ الدراسات العلمية أثبتت أثر الوضع النفسي والعصبي على الإنسان على حياته بشكل عام، فمن الثابت علمياً أنّ المسؤولية الاجتماعية في العمل والإنتاج المادي تتأثر بشكل مباشر بأوضاعهم النفسية، فالرجل الذي يعيش وسط أجواء أسرية تحمل المشاكل والتوتر العصبي يجد انخفاضاً في مستوى إنتاجيته الوظيفية، كذلك الزوجة العاملة، كما يتأثر إقباله على العمل والإبداع في أعماله الخدمية، وتزداد مشاكله في علاقاته مع رفاقه المرتبطين به. وأضافت أنّ المشكلات ممكن أن تستفحل لتمتد إلى نفسية الشخص ذاته في وقت لا يمكن تدارك الأخطاء نتيجة المشاكل والصدامات الأسرية التي أثرت على وظيفته، موضحةً أنّ تنمية أخلاقيات وسلوكيات العمل تؤدي إلى تطوير العلاقات بين الفرد ووسط العمل بكل أبعاده، وتتمثل نجاحاتها في مختلف الأبعاد الروحية، والنفسية، والاجتماعية، والمهنية؛ مما ينعكس إيجاباً على إنتاجية الأفراد ورضائه الوظيفي، دعم العلاقات الطيبة وأشارت "نورة" إلى أنّ مفهوم أنّ العمل يؤدى من خلال الأفراد أصبح قديماً ولا يدعم إنشاء علاقات طيبة بين العاملين، أما الافتراض الذي يدعم خلق علاقات مميزة بين الأفراد هو العمل بروح الفريق كمنظومة واحدة، كل أجزائها تتأثر ببعضها، مشددةً على ضرورة أن تبنى علاقة جيدة بين فريق العمل الواحد ليكون نتاجها هو تحمل سلوكيات البعض، وتقبل مشاكلهم، ومحاولة إيجاد حلول من خلال الحوار لحل مشكلة ما وقع بها أحد الزملاء، ولكن بحدود؛ حتى لا يتأثر أداء الكل في العمل. الموظف المثالي يفصل بين عمله ومشاكله الأسرية طريق الفضفضة ونوّهت "بدرية الفريدي" -مشرفة تربوية بإدارة توجيه وإرشاد الطالبات بتعليم حائل- إلى أنّ هناك فرقاً كبيراً بين من يشكي في العمل من الضغوطات الأسرية ومن ينتقد، فالأول عادةً ما يعبر عن شعوره إزاء مشكلة ما، أما النقد فيهاجم شخصية شريك الحياة، معتبرةً كلا النوعين مؤثرين على مستوى الأداء الوظيفي، فإذا كان ولابد فليُجعل من الانتقاد هو طريق للفضفضة -إن صح الأمر-، مرجعة ذلك أنّ الموظف قد يشعر بنوع من الراحة النفسية من دون أن يتأثر عمله. زملاء متفهمون وقالت "بدرية": "لا يعدّ الموظف كثير الشكوى من مشاكله الأسرية هو المتضرر الوحيد، بل وحتى زملائه يتضررون منه، وربما أثر على إنتاجيتهم جميعاً؛ لأنّه لا يستطيع أن يتعامل مع الآخرين بصفاء ولين وابتسامات وهو من داخله يواجه ضغوطات أسرية"، مؤكّدةً على أنّ كثرة المشاكل تهلك طاقتة الموظف وتجعله غير قادر على أى شيء، متسائلةً: كيف بعد كل هذا لا يؤثر على علاقته بالآخرين والعمل؟. وأضافت أنّ من أهم ما يميز الموظف الناجح سلوكياته في العمل، فلا يضخم من أموره الأسرية داخل البيئة العملية؛ حتى لا يتأثر العمل، مشيرةً إلى أنّ استشعار الأمانة في العمل وفصلها عن المشاكل الأسرية أمر ضروري، مستدركةً: "إذا كان لابد من الحديث عن الضغوطات النفسية؛ لا مانع -إن وجدت الضرورة- بالحديث عنها للزملاء، فهناك الكثير من يسمع ويساعد في إيجاد الحلول"، موضحةً أنّ تلك الطريقة تجدي في بيئة العمل، خاصةً إذا كان الزملاء متفهمين.