ليس من المُبالغة القول بأن دول ما سُمّي ب(الربيع العربي) قد أصابتها الفوضى العارمة في مقتل، وتسببت في تدهور أوضاعها العامة بشكل مخيف، نتيجة لما حدث من خراب ودمار مادي ونفسي، قضى على كل الآمال في تحقيق التغيير المنشود، خاصة إذا أدركنا أن ذلك يتم بأسلوب ممنهج خططت لتنفيذه قوى دولية بهدف إرباك المنطقة وإشعال الفتن فيها، وتمزيق دولها، لفرض واقع جديد تحت مسمّى (الشرق الأوسط الكبير) بكل مخططاته وأهدافه الاستعمارية، وجعل دوله مناطق نفوذ تسهل السيطرة عليها، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأمن للكيان الإسرائيلي الغاصب. إن ما يجري من أحداث دامية في بعض الأقطار العربية يُعد الترجمة الفعلية لما اصطلح عليه (الفوضى الخلَّاقة) التي دُشِّن أول فصولها باحتلال العراق عام 2003م، كما ان من الأهمية بمكان إدراك ما تنطوي عليه هذه الفوضى (الخلاَّقة) من أخطار مدمرة، وما تُنبئ به من شرّ مستطير، يتجسد بشكل جلي في المشهد اليمني وتفاعلات الأزمة السياسية الناشبة ضمن وَهْم ثورات (الربيع العربي) ومفهوم الفوضى الخلَّاقة الذي تعاملت به بعض القوى والأحزاب السياسية، سنجد أن الأزمة لم تفرز سوى نتائج كارثية غاية في الخطورة، أسهمت في تدهور الأوضاع العامة، وفي الانفلات الأمني المريع، وولّدت اليأس والمرارة في نفوس المواطنين، وخلقت حالة من الأحقاد والضغائن لم يشهد لها اليمن مثيلاً، وأوجدت بيئة خصبة وحاضنة لنمو واتساع نشاط تنظيم القاعدة الإرهابي في كثير من المحافظات والمُدن الذي نتج عنه إشاعة الخوف والرعب، واستمرار عمليات الاغتيالات اليومية، والتفجيرات المتكررة في عدد من المُدن والمعسكرات.. وآخرها في العاصمة صنعاء التي شهدت يوم الخميس الماضي أبشع وأخطر هجوم إرهابي، استهدف مقر وزارة الدفاع -أحد أهم رموز السيادة- تم فيه الاعتداء بسيارة مفخخة على مستشفى مجمع الدفاع الذي كان مكتظاً بالمرضى والطواقم الطبية العاملة فيه الذين قام الإرهابيون بقتلهم جميعاً بصورة وحشية ووصل عددهم إلى ستة وخمسين شهيداً وجرح مئتين وخمسة عشر آخرين، وتدمير محتويات المستشفى وإلحاق أضرار كبيرة بمنازل المواطنين المجاورة، في الوقت الذي تشهد فيه بعض مناطق صعدة (دماج) وحاشد (العصيمات) حروباً يُراد تغليفها بالطائفية أو المذهبية التي تعتبر أخطر وأفتك وسيلة لفصل عُرى التماسك الاجتماعي في اليمن، والقضاء على حالة التعايش والتسامح والوئام التي ظل اليمنيون متميزين بها مئات السنين، تجمعهم العقيدة الإسلامية، ويوحدهم الانتماء الوطني. لقد وصلت الأوضاع في اليمن إلى حالة من السوء غير مسبوقة، نتيجة عجز الأحزاب والتنظيمات السياسية، وافتقادها للقدرة على تشخيص إشكالات الواقع وإيجاد المعالجات المطلوبة لها، وسعيها نحو مزيد من تأزيم المشهد بإصرارها على إفشال التسوية السياسية والانحراف بمؤتمر الحوار الوطني عن مساره ومهامه المحددة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وافتعال مواقف متشنجة ومتعصبة لأجندات حزبية معروفة، ولاعتبارات وحسابات ومصالح ذاتية غير وطنية، تفتقر إلى القواسم المشتركة التي أجمع عليها اليمنيون حين توافقوا على إجراء التسوية السياسية للأزمة -على مبدأ لا غالب ولا مغلوب-، وحل كافة الإشكالات والتعقيدات التي يواجهها الوطن اليمني بالحوار، والسعي لإنقاذ اليمن من الانهيار وإخراجه من المآزق والمحن التي يعيشها، إذ ليس من المنطق ولا من المعقول أن تتحول المصالح والحسابات والمشاريع الحزبية والذاتية إلى قضايا خلافية وأزمات وطنية تحاول بعض الأحزاب وقوى النفوذ فرضها على مؤتمر الحوار الوطني، واستحضارها في جدلية صراعها العبثي على حساب التغييب القسري للقضايا الوطنية الأساسية والمُلحة.