قرر أرئيل شارون أن يقوم بعملية التخلص من عبء قطاع غزة، وأطلق على هذه العملية كنية «الانفصال»، وليس «الانسحاب» أو «الخروج». لماذا؟ فلو استعمل كلمة «انسحاب» بدون أن يعلن عن ضغط دولي، كما حدث في أعقاب حرب السويس عام 1956، فإن ذلك يعني فشلا للفكر الصهيوني الذي يرفض أن ينسحب من أراض تابعة لما يسمونه ب«أرض إسرائيل». إضافة إلى أن استعمال كلمة «انسحاب»، تعني أن إسرائيل تعترف رسميا بأنها دولة محتلة، الشيء الذي رفضته كل الحكومات الإسرائيلية التي جاءت في أعقاب حرب 1967. للسبب الصهيوني نفسه، في حين سمى بعض السياسيين الإسرائيليين، الخروج من جنوب لبنان «انسحابا» لأنه لا يحمل الثقل كما هو الحال مع قطاع غزة. وتسميته ب«الانسحاب»، معناه أنه سابقة خطيرة، لأن هذا لن يكون آخر انسحاب لإسرائيل من الأراضي المحتلة، وبالتالي تفقد تل - أبيب «قوة قرارها الأحادي الجانب». أي أنها تفقد ما يرمي إليه شارون، ألا وهو أن قرار حل القضية الفلسطينية يحمله بيده، بدون مفاوضات وحسب ما تتطلبه الأفكار الصهيونية، وبدون العودة إلى أي طرف مهما كان. وأيضا، فإن عدم استعمال كلمة «انسحاب»، يمنح شارون فرصة المراوغة أمام الشعب الإسرائيلي، خصوصا وأن كلمة «انفصال» تبقي الحق لإسرائيل، بالعودة متى شاءت، والسيطرة على مرافئ الحياة، في قطاع غزة، عن طريق السيطرة على الأجواء والممرات المائية، وإلى حد كبير على الممرات البرية. وأخيرا، فإن قطاع غزة كان يشكل عبئا، اقتصاديا وأمنيا على إسرائيل، فإسرائيل كانت تخسر ماديا من سيطرتها على قطاع غزة، فقد فشلت المستعمرات اليهودية في القطاع من الوصول إلى مدخول إقتصادي مستقل، كما هو الحال في المستعمرات اليهودية القائمة في الضفة الغربية. ومن الناحية الأمنية، فإن المقاومة الفلسطينية تطورت في القطاع أكثر منها في الضفة الغربية. فقد أصبح بأيدي المقاومة صواريخ، رغم بدائيتها، ولكنها تهدد المستعمرات اليهودية المتواجدة هناك. كما أن القتلى الذين يسقطون في القطاع، يسقطون داخل أراض محتلة، مما يكسب المقاومة شرعية محاربة الاحتلال. وهناك أمر لا يتحدثون عنه كثيرا، ألا وهو الوضع الديمغرافي. إسرائيل غير مرتاحة من هذا الوضع، بعد ان قلت الهجرة إليها، وزادت الهجرة منها، وفشلت الحكومات الإسرائيلية بزيادة عدد سكان المستعمرات اليهودية في قطاع غزة، ولا ترى القيادة الإسرائيلية أية فائدة منها أو مستقبلا لها، وبالتالي أصبح عدة آلاف من اليهود يعيشون في بحر يزيد قوامه عن مليون ونصف المليون إنسان فلسطيني، والذي يزداد عددهم السنوي بسبب ارتفاع نسبة الولادة عندهم. فهذه الأسباب جميعها، ترد على التساؤل عن «التغيير في موقف شارون». فشارون هذا هو نفسه الذي شجع إستعمار الأراضي الفلسطينية، وشجع المستعمرين على العيش هناك، يمنحهم الكثير من الامتيازات، التي لم يتمتع بمثلها سكان إسرائيل. وهو الذي وضع خمسة عشر ألف جندي ليحموا ثمانية آلاف مستعمر، وكان دائما معارضا لترك ما يسميه ب«أرض الآباء والأجداد». وفجأة قرر شارون فصل القطاع، وإخراج المستعمرين وتدمير المستعمرات، متحديا بذلك مواقف بعض المستعمرين، والذين ذهبوا إلى العيش هناك، ليس طمعا بالامتيازات التي سيحصلون عليها، بل كون أن هذه الأرض هي أرضهم التي منحها لهم الله سبحانه وتعالى «بصك تعاقد إرثي».