تستمرّ المعارك في مدينة طرابلس عاصمة الشمال اللبناني على حدّتها منذ يوم السبت الفائت وقد تجاوز عدد القتلى العشرة والجرحى التسعين ولم يكن الكلام عن تسلّم الجيش اللبناني لزمام الأمور كافيا لوقف التهديدات المتبادلة من فريقي النزاع في باب التبانة وجبل محسن بحصار المدينة النازفة والتي باتت تشبه مدينة للأشباح لا يتنقّل فيها سوى المسلّحين. وقال المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ل"الرياض" إنّ " الحلّ الصحيح في طرابلس هو سياسي أولاً ثمّ أمني". موضحا أنّ " المطلوب حكومة تمثّل جميع اللبنانيين وأن يفهم المحور الإيراني السوري أنه لا يستطيع أن يخضع طرابلس ولا أن يحكم لبنان، وأن محاولة إخضاع المدينة مرفوضة كليا، وأي حكومة تنتمي إلى المحور الإيراني السوري لن تعطي حلاً لا لطرابلس ولا للبنان". وقال مصدر سياسي في المدينة ل"الرياض" إن "الجولة ال18 من الاشتباكات تختلف عن سابقاتها بأنها خارج السيطرة كليا، فلا أحدّ يردّ على أحد من قادة المجموعات المسلّحة، في حين تتداخل الأسباب الأمنية بأخرى سياسية وحتى بالتعيينات الإدارية والأمنية إلى درجة تشابكت فيها الأمور بشكل معقّد جدّا". وتستمر موجات نزوح الأهالي من المدينة التي تعدّ 650 ألف نسمة وهي أكبر مدينة سنية في لبنان مع امتدادها الجغرافي في الضنية وعكار. وشهدت الجولة الجديدة سقوط الخطة الأمنية الهشة أولا وعلّت عيار الاشتباكات بين جبل محسن (العلوية) وباب التبانة (السنية) على خلفية تفجيري مسجدي "السلام" و"التقوى"، في حين وقفت القوى السياسية في المدينة مكبّلة الأيدي أمام لغة المسلحين التي تراوحت بين القنابل والرشاشات ومختلف أنواع الأسلحة التي هدرت دماء أبناء المدينة بالإضافة إلى عناصر الجيش اللبناني الذي سقط له شهداء وجرحى. صار المسلحون تحت مسمّى "أولياء الدّم" من الطرفين هم المتحكمين بالمدينة، فقد انتقلت حرب سورية وتحديدا القلمون إلى طرابلس بأبشع مظاهرها. وأمس تسلّم الجيش اللبناني زمام الأمور في مدينة طرابلس وسط شكوك في تمكنه من ضبط الانزلاق الأمني نحو الأسوأ، وبعد قرار سياسي بإرسال 600 عنصر من قوى الأمن الداخلي والأمن العام إلى المدينة. وتعليقا على انتشار الجيش قال عضو "كتلة المستقبل" النيابية أحمد فتفت:"إن إعطاء الإمرة للجيش اللبناني لا تكفي لضبط الوضع الأمني في طرابلس، وإنما يجب أن تتواجد الفعلية السياسية والأمنية لحل نهائيّ، وأيضا تغيير القيادات الأمنية، فهي موجودة منذ اثنتي عشرة جولة ولم تتمكن من بسط سلطة الجيش على الأرض". واعتبر النائب فتفت أن "الخطة الأمنية فشلت إذ لم تنجح في طمأنة أهل طرابلس إلى أن المجرمين سيساقون فعلا أمام العدالة". من جهته قال رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص "إن الفتنة المتمادية في طرابلس أصبحت تسمى جولة قتل للآمنين، وتهدد السلم الأهلي في كل لبنان، لا يجوز أن تستمر أو تتكرر، واصفا إياها ب"الجنون بعينه"، وقال:" إذا كان هناك من يعتقد أن في استطاعته أن يبيد الآخر فهو واهم، فما هو إذاً مبرر استمرار حال الاقتتال العبثي؟ هل الانتصار يكون بقتل وجرح اكبر عدد من الفريق الآخر، إننا نربأ بأي من الفريقين أن يكون في تفكيره شيء من ذلك، فالضحايا هم دوماً من الأبرياء. واستهداف الأبرياء من المحرمات في شريعة الله وشرعة القانون، فمتى تنتهي هذه المأساة، إنها لا تنتهي إلا بإرادة من يتزعمون الفريقين ووعيهم ونحن مع الدعوات التي تدعو لنبذ مثل هذه الأعمال الشائنة المسببة للاشتباكات المسلحة الأليمة وان يكون صوتهم صادحا في كل اتجاه". أضاف الحص:"كما أنّ على الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية أن تحزم أمرها فتقضي على هذه الظاهرة العبثية وكامل المظاهر المسلحة في الشوارع إلى غير رجعة". وكانت طرابلس شهدت الليلة قبل الماضية اشتباكات عنيفة بين سنة وعلويين تسببت باصابة 12 شخصا بجروح، بحسب ما ذكر مصدر امني. وبذلك، ترتفع حصيلة الضحايا نتيجة المعارك المتجددة في المدينة منذ السبت الى عشرة قتلى و61 جريحا. وقد سقط السبت ثلاثة قتلى بينهم جندي في الجيش اللبناني كان خارج الخدمة، وتوفيت امرأة متأثرة بجروح اصيبت بها في اليوم السابق. واشار المصدر الامني الى ان اشتباكات الليلة قبل الماضية بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن ذات الغالبية العلوية كانت عنيفة جدا، واستخدمت فيها الاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية وقذائف الهاون. وتسببت المعارك باحتراق عدد كبير من السيارات والشقق السكينة. وجاء التصعيد بعد تفجير في مبنى من ثلاث طبقات يقع في جبل محسن على تخوم باب التبانة، ما ادى الى انهياره. واتهم عبد اللطيف صالح المتحدث باسم الحزب العربي الديموقراطي، ابرز ممثل للعلويين في لبنان، مسلحين تسللوا من باب التبانة وفخخوا المبنى ثم فجروه. وبين الجرحى 12 عسكريا في الجيش اللبناني الذي يعمل على ضبط الوضع والرد على مصادر النيران، بحسب المصدر الامني. وتراجعت صباح امس وتيرة الاشتبكات مع استمرار اعمال القنص بين المنطقتين. واقفلت معظم المدارس والمؤسسات التجارية في طرابلس، لا سيما القريبة منها من خطوط التماس. في الاطار ذاته نفت جماعة حزب الله ما أوردته بعض وسائل الإعلام عن وجود عناصر وخبراء عسكريين من الحزب في منطقة جبل محسن بمدينة طرابلس شمال لبنان، ووصفت ذلك ب"الادعادات الباطلة التي لا تستند إلى أي أساس أو دليل". جاء ذلك في بيان أصدره الحزب مساء الاحد، بحسب الوكالة الوطنية للاعلام اللبنانية. واضاف البيان " حزب الله، الذي طالما دعا إلى تغليب منطق الحكمة والعقل، وإفساح المجال أمام القوى الأمنية وأجهزة الدولة للقيام بواجباتها في حماية المواطنين وأرزاقهم وحفظ أمنهم، يؤكد مرة أخرى أن الحل السياسي المدعوم من الجميع هو الذي ينهي هذا النزيف القاتل في المدينة، ويعيد الأمن والسلام إلى ربوعها، ويوقف العصابات الإجرامية عن التمادي في اعتداءاتها بحق المدينة وأهلها". بائع فواكه يجري بحثاً عن ملاذ خلال تبادل إطلاق النار في طرابلس (رويترز)