المتتبع لواقع شبابنا، يرصد الكثير من الصعوبات والمشكلات والتحديات التي تواجه هذه الشريحة الثمينة التي تفخر بها الامم والمجتمعات. شبابنا، بكل أسف واقعون تحت تأثير منحنيين خطيرين، إما التطرف والتشدد، أو الانحلال والابتذال. السؤال هنا: لماذا لا يوجد خيار ثالث؟ انطلاقاً من واقعنا الجميل الذي تؤكده النسبة المئوية من التعداد السكاني للمملكة العربية السعودية، والتي تُشير إلي "شبابية" هذا الوطن الذي تُمثل فيه الاجيال الشابة أكثر من 60٪ من السكان، تأتي الكتابة عن قضايا وملفات الشباب في طليعة اهتمامات وقناعات الكتاب والمثقفين، فضلاً عن المتخصصين والتربويين. الكثير من الاشكاليات والاعتبارات، تجعل من الكتابة عن الشباب أمراً غاية في الصعوبة والتعقيد، خاصة في ظل هذه المرحلة الاستثنائية من عمر العالم العربي، بل والعالم بأسره. وحتى لا اتوسع كثيراً، وأبتعد عن الهدف من هذا المقال، وهو محاولة كشف ظاهرة خطيرة يتعرض لها شبابنا، هي اقرب للازدواجية المعقدة، أو ما يُمكن أن يُعبر عنها ب "متلازمة التطرف والانحلال". شبابنا بين مسارين، لا ثالث لهما. تلك حقيقة مرة، أفرزها الواقع وأثبتتها التجارب. إما مسار التشدد والعنف والتطرف الذي تُفرزه الادلجة الفكرية، أو مسار الانحلال والابتذال والتميع الذي تنتجه بعض الممارسات والسلوكيات الخاطئة. وهنا، لابد من الاشارة إلى نقطتين جديرتين بالاهتمام. الأولى غياب الوسطية كمسار ثالث، أو لنقل عدم تمظهرها بشكل واضح، الثانية، وهي التأكيد على أن المقصود بالانحلال، ليس بالضرورة التفسخ المجتمعي أو الانحراف الأخلاقي، رغم وجود كل ذلك، ولكن القصد بالانحلال هنا، هو تناول الامور بعيداً عن المبادئ والأخلاقيات الدينية والعرفية والعقلية. والشباب، كما هو معلوم، حاضر ومستقبل الأمة, لذا لابد من اعداد هذه العقول الفتية وتلك السواعد الطرية بمناهج وأساليب سليمة تتكئ على مبادئ الشريعة الاسلامية المعتدلة والبعيدة عن مظاهر التطرف والتشدد والعنف، إضافة إلى حزمة من الاخلاقيات والسلوكيات الانسانية الوسطية التي تنص عليها القوانين والأنظمة المعترف بها وسط المجتمعات والمؤسسات المتحضرة، فضلاً عن الفطرة السليمة، لا أن تُضخ بقصد أو بدون قصد لا فرق في الخطورة تلك الافكار والمفاهيم والأيديولوجيات الكريهة التي تسببت، وما زالت في الكثير من الويلات والفتن والكوارث. المتتبع لواقع شبابنا، يرصد الكثير من الصعوبات والمشكلات والتحديات التي تواجه هذه الشريحة الثمينة التي تفخر بها الامم والمجتمعات. شبابنا، بكل أسف واقعون تحت تأثير منحنيين خطيرين، إما التطرف والتشدد، أو الانحلال والابتذال. السؤال هنا: لماذا لا يوجد خيار ثالث؟ أعرف جيداً، بأن محاولة الاجابة عن هذا السؤال المعقد، ستلتهم ما تبقى من هذا المقال، لذا لن أقع في هذا الفخ، وسأركز في بيان خطورة هذا الواقع المرير الذي يعيشه شبابنا، بل نعيشه جميعاً. في غفلة ما، قد تكون زمنية أو مجتمعية، حدث ما يُشبه الغسيل للكثير من أدمغة شبابنا من قبل بعض الصحويين والمتشددين والمشتبهين، بحيث صدق شبابنا الكثير من الاوهام والتصورات، وتبنى الكثير من الافكار والمعتقدات، وأصبح يتصرف كما لو أنه المسؤول عن كل ما يحدث في كل العالم، مستنداً على بعض القناعات والاستدلالات والتفسيرات غير الواضحة أو التي لم يتم الاجماع عليها. لقد توهم شبابنا، بأنهم دون غيرهم تقع عليهم المسؤولية الكاملة للدفاع عن حياض الدين وبيضة الاسلام. أما المسار الثاني، وهو لا يقل خطورة عن مسار التشدد والتطرف، فهو يُمثل حالة الانحلال والابتذال والتسيّب التي يُمارسها بعض شبابنا بل وشاباتنا أيضاً في الكثير من الجوانب والتفاصيل الحياتية المختلفة. فهل يُعقل مثلاً، أن شبابنا هم الممول والداعم الاكبر لكل المؤسسات الاعلامية والاعلانية التي تملك تلك القنوات الرخيصة التي تُقدم المجون والانحطاط الفضائي، كقنوات الاغاني السخيفة والأفلام الهابطة وبرامج الترفيه المبتذلة؟ كل ذلك عبر اتصالاتهم ومشاركاتهم ومتابعتهم المحمومة. أيضاً، تفشي الكثير من مظاهر وحالات الانفلات الاخلاقي وغياب الذوق، وقضايا الاعتداءات والتحرش والبذاءة في الالفاظ والسلوكيات، والكثير الكثير من الممارسات المخجلة لبعض شبابنا، كل ذلك يؤكد بما لا يدعو للشك بأن ثمة خللا كبيرا في مؤسسات التنشئة الاجتماعية (الأسرة والمدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام) التي فشلت فشلاً ذريعاً في تحصين اجيالنا الشابة من كل تلك الممارسات الخاطئة، سواء في مسار التشدد والتطرف أو في مسار الانحلال والابتذال. إذاً، شبابنا أو أغلبيتهم الساحقة واقعون بين مطرقة التطرف والتشدد وسندان الانحلال والميوعة. أما المسار الثالث، والذي يُمثل خط الاعتدال والتسامح والانفتاح والوعي وتحمل المسؤولية والقدرة على الانتاجية والمشاركة في التنمية الوطنية، فهو لم يتشكل بعد، رغم وجود الكثير من النماذج الشبابية المبدعة التي يفخر بها الوطن، ولكنها حتى الآن مجرد محاولات ومبادرات فردية. يبدو أن الوقت قد حان لإعطاء شبابنا الفرصة الكاملة لصياغة وبناء حياتهم بالشكل الذي يتناسب مع طموحاتهم وتطلعاتهم وظروفهم، وأن لا تُمارس ضدهم الوصاية الخانقة، تماماً كما لا يجب أن يشعروا بعزلة تامة عنا. إن مبدأ "لا إفراط ولا تفريط" هو كل ما يحتاجه شبابنا، بل ما نحتاجه جميعاً..