حين يحل فصل الشتاء وتهطل الأمطار الغزيرة على دول الخليج، ومن ثم تسيل الأودية والشعاب، لعلها أن تكون سقيا خير وبركة.. لكن هذه الأمطار أتت واتسعت سحبها وهي حاملة معها عدة تساؤلات، ورغم أنها تمثل دائما بشائر الخير والبركة والرزق للعباد والدواب، إلا أن هذه السحب جلبت الكثير من المآسي والخسائر البشرية والمادية الكبيرة، رغم أنها من الظواهر الطبيعية التي يفترض ان تتكرر في كل عام ومكان ولا حيز جغرافيا لها، إلا انها في واقع الحال كشفت ومع الأسف عن خفايا وثغرات في غاية الخطورة ولن نستطيع استقبالها ومواجهتها، لا يمكن القول فيها إلا أنها مؤلمة ومحزنة ومخجلة، إذ كشف هطول الأمطار عن أمور عديدة لم تكن ظاهرة للعيان من قبل، وكشف ماهو مدفون في باطن الأرض مما شكل صدمة للكثيرين من أهالي المنطقة والوافدين وبعض الشامتين!، من حجم التقصير الذي وقع في التعاطي مع هذه الأحوال الطبيعية التي أسفرت عن الكثير من الضحايا الأبرياء وممتلكاتهم، وتعطلت حركة السير في المدن الخليجية، وتسببت بتعطيل المدارس والموظفين وكذلك تسببت بأضرار ممتلكات الدولة ايضا ولو توقفنا امام هذه الحالة بعين المتبصر والمتسائل، لوجدنا أنها كشفت عن العيب في البنية التحتية ليس فقط في مدينة خليجية واحدة فحسب، وإنما في البنية التحتية لدول مجلس التعاون الخليجي، وماتسببه هذه الأمطار التي هي سقيا خير وبركة لتتحول الى مأساة وكوارث بسبب الإهمال والفساد، وعدم التبصر وغياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي لتأسيس بنية تحتية متينة وصلبة. كشفت هذه الأمطار مدى ضعف البنية التحتية وضعفها ومرافق الصرف الصحي غير السليم في بلادنا التي لا تبخل فيها الحكومات بصرف ملايين الدولارات من أجل تأسيس بنية تحتية قوية وجيدة، بالاضافة إلى هذه الحالة فتحت الباب واسعا أمام مستوى تدني تنفيذ البنية التحتية الهشة والضعيفة في بلداننا الخليجية، ومعرفة عدم جاهزيتها في مواجهة تبدلات الأحوال الجوية وظروف المناخ، حيث إنه من الملاحظ في معظم عواصم دول الخليج كافة أن البنية التحتية غائبة وضعيفة وبنيت في أغلب الأحيان على افتراضات خاطئة وغير دقيقة أثبت الزمن عدم نفعها وجاهزيتها، وبالتالي فإنه وبعد عشرات السنين رأينا أنفسنا نواجه أزمات متعددة في البنية التحتية، مقابل عمارات شاهقة وأبراج تشق عنان السماء ارتفاعا، وناطحات سحاب عملاقة كأنها ليس لها علاقة بالأرض أبداً، ومع الأسف كانت الأبراج تبنى ثم يفكر فيما بعد بطرق شق الخدمات لاحقا، ناهيك عن العشوائية التي رافقت قرارات العمران الأفقية والتي لم تراع الكثير من الأمور مثل معاندة الطبيعة ومعاكساتها والبناء في منسوب المياه والمنخفضات واستعمال الأراضي غير الصالحة للبناء أصلا، ولعل من المفيد هنا أيضا ان نلتفت إلى أحد أهم الأخطاء التي ساهمت في ضعف مشاكلنا في البنية التحتية، وهي أن معظم مشاريعنا كانت تسلّم لشركات غير مؤهلة وعمالة أجنبية لا همّ لها في الواقع سوى تحقيق الربح السريع بدون حس وطني عال وانتماء حقيقي مرتبط بالأرض، ونتساءل هنا لماذا في بلدان كثيرة مثل تركيا ومصر وسوريا ولبنان والأردن وغيرها من الدول العربية والفقيرة أصلا، التي يهطل فيها المطر بغزارة بإستمرار وكذلك الثلوج في مواسم كثيرة، لم نشهد مثل هذه الحوادث والكوارث المؤسفة وهي بلدان لا تقارن ثرواتها أبداً بما يوجد لدى الدول الخليجية، بل بعض البلدان لديها مدن تحت الأرض لتسريب واحتواء الصرف الصحي لتوقعات مثل هكذا حالات طارئة، أسئلة كثيرة وكثيرة جداً لابد من طرحها، على خلفية ما جرى، أسئلة تقود إلى استنتاج واحد وهو أن التخطيط الذي اعتمد كان قصيراً ومحدود النظر ولم يأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يحمله المستقبل من مفاجآت. مهندسون: عمليات الترقيع لا تنفع مع تطور البناء الخليجي فوق الأرض وتحت الأرض بلا بصيرة إن هطول الأمطار كشف المستور وأظهره جليا وفتح الأعين على المخاطر التي تكمن عند عدم وجود غرفة عمليات فاعلة لإدارة الأزمات للتعامل مع مثل هذه الكوارث المفاجئة والأزمات الطبيعية، ويبدو ان دولنا تمتلك المال وحده وينقصها الخبرات وغياب الاستراتيجية لأي مشروع مستقبلي، وشاهدنا كيف جسور تحطمت ومطارات سقطت أسقفها وأبنية وسيارات انجرفت، وأرواح زهقت أثناء غرقها في السيول. أسئلة كثيرة تتوالد كلما أمعنا النظر بمدننا وشوارعنا وممتلكاتنا "تغرق بشبر ماء"، كما سمعناه من الشامتين والمغرضين للأسف الذي يعيشون بيننا وبلدانهم قد أسست البنية التحتية الصلبة والقوية قبل 100 عام من قبل أهل البلد وآبائهم وليس من شركات آسيوية (لصقوا لنا البنية التحتية (بالبوتكس) وولوا مدبرين وهربوا لبناء أوطانهم وبنيتهم التحتية بالحديد والصلب والأسمنت ليحموا أوطانهم وممتلكاتهم من عبث العابثين وتستر الفاسدين، ويأتي من يقول هذا بفعل سوء الأحوال الجوية، ونحن نقول لا.. بل سوء البنية التحتية! "الرياض" ترصد الأحداث المأساوية والكوارث الطبيعية التي تعرضت لها المدن الخليجية وممتلكات المواطنين من خلال استطلاع آراء المواطنين الخليجيين والمقيمين الأخوة العرب في دول الخليج، الذين استغربوا وصدموا من هول ضعف البنية التحتية في دول نجلس التعاون الخليجي، على عكس النهضة العمرانية والأبراج الشاهقة والمصانع الضخمة والمولات الواسعة. وقال الدكتور علي الهاشمي مهندس إماراتي " للأسف اشعر بالحزن والمرارة، إن بلداننا المزدهرة والمتطورة يحصل بها هكذا أخطاء قاتلة وجسمية"، وقال الهاشمي "من وجهة نظري أن النبية التحيتية بدول الخليج تحتاج إلى إعادة نظر (من وإلى)، والذي حصل هذا هو لعدة أسباب منها الإهمال والفساد وقصور في التخطيط وعدم وجود جدوى استراتيجية بعيدة النظر والمدى، ودولنا لاتستطيع أن تتعامل مع الأزمات والكوارث بشكل يليق بحجمها ومكانتها ومواردها، صحيح أن البنية التحتية تحتاج الى مسيرة تطور طويلة ولاتأتي بيوم وليلة، وهذا لا يعطي مبررا للأخطاء التي حصلت بدولنا الخليجية، ولكن للأسف نحن نتعامل مع الأزمات بردود الأفعال"، وذكرنا الهاشمي بقصة (فيلم الهارب) الذي بدأ وانتهى (بالمجاري) يعني أن هناك مدناً تحت الأرض للدول التي لديها مخططات استراتيجية، والذي حصل أيضا له علاقة بعمليات التغيير الديمغروافي وتغيير المناخ والتأثير الكوني، وكل هذه التبريرات لاتعفي دولنا من القصور في البنية التحتية أبدا، وإلى متى نعالج الأمور بعمليات الترقيع التي لاتنفع ولاتفيد؟ وقال المهندس عبدالعزيز المنصوري من بلدية الشارقة ل"الرياض": ربما تفاجأنا بتغيير المناخ أو هطول الأمطار الكثيرة وهذه الأمطار لم نرها منذ عشرين عاما، والبنية التحتية في الإمارات أو دول الخليج هي تأتي بعد دراسات واستشارات قبل تنفيذها، وربما هناك قصور بعدم التعامل مع حجم الأمطار غير المتوقعه لدول الخليج"، وقال "هناك بنية تحتية في أبوظبي تصل حجم قطر الصرف الصحي الى 8 أمتار وهذا هو الأسلم والأصح لتحسب أي أزمات أو أمطار غزيرة، ولكن يبدو أن بعض الدراسات لاتستطيع أن تتنبأ بحجم وقوع عوامل طبيعية، وأكثر بلداننا نفذت المشاريع على هوى وتوصية وإرشادات الحالة المستخدمة في الدول وكيفية استيعاب الأمطار والتصريف الصحي. من جانبه قال المهندس حسن الدفاك متخصص في إدارة مشاريع الصرف الصحي، قال ل"الرياض" "يبدو من وجهة نظري أن المشاريع العملاقة لاتستثمر في مجال البنية التحتية كما يجب، وهناك قصور في تفعيل مثل هكذا مشاريع، ومطلوب هو استثمار مشاريع عملاقة في البنية التحتية وأن دولنا الخليجية تتحسب لما هو غير موجود أو معلن وحتى معمول فيه في دول المنطقة، صحيح إن مثل هكذا مشاريع عملاقة مكلفة جدا ومنهكة للدول لكن لابد منه لتجنب مثل هكذا كوارث طبيعية لأسوأ الأحوال والتوقعات. ومن جانبه قال المهندس أحمد العوضي من إمارة عجمان، إن دول الخليج لم تؤسس بنيتها التحتية مثلما هو حاصل للدول التي تتعرض للسيول والأمطار، ودولنا حديثة النشء والعمران بدأت الآن تفكر جديا بتأسيس بنية تحتية تتلاءم مع ظروف ومناخ المنطقة، وهو يعتقد أن السنوات القليلة القادمة سوف تتلاشى مثل هذه الأخطاء والكوارث بفعل التطور والتخطيط والاستعداد للتغير المناخي، وأضاف العوضي ل"الرياض" نحن لا نستطيع أن ندفن ملايين الأموال في بنية تحتية لأن هذا الاستثمار غير مجد. واذا تعرض البلد أو المدينة إلى سحابة كل عشر سنوات لا يساوي حجم الاستثمار المكلف للدولة في بنية تحتية غير مستغلة وربما الدراسات والخطط الإستراتيجية عملت على أساس أن دول الخليج غير معرضة للفيضانات والأمطار. وبدورها قالت الإعلامية الجزائرية حبيبة طالب صحفية عملت في تغطية الأزمات الطبيعية في بلادها قالت ل"الرياض": " أول ما وصلت للإمارات وبخاصة مدينة دبي، دهشت للتطور الكبير الذي عرفه العمران في هذه المدينة الناشئة، حتى إنني أحسست ببعض الخيلاء كونها أول مدينة عربية تضاهي جمال وتطور المدن الأمريكية، فصار بالإمكان التباهي أمام الأجانب أننا أخيرا لحقنا بدرب الأمم المتقدمة، بقيت على هذا الحال ردحا من الزمان ألتقط صوراً جنب كل برج شاهق أو معلم عجيب التصميم وبديع الأضواء. لكن سرعان ما فزعت من هول فاجعة ذات صباح شتوي، على صوت صديقتي: "قومي، قومي... دبي تغرق"، أسرعت لشرفة منزلي لأرى شيئاً لم يكن على البال أو الخاطر، سيول المياه تجرف كلما اعترض سبيلها من سيارات وأمواج بشرية تتلاطم طلبا للنجدة، خلت لأول وهلة أن إعصاراً تسونامياً آخر اختار محطة جديدة غير المحيط الهندي، غير أن كلام صديقتي بدد كل شكوكي وأفكاري، الإمارات لا تملك بنية تحتية هذا هو الواقع وكمية المياه والسيول التي شاهدتها هي كمية صغيرة، رجعت بشريط ذكرياتي لسنة 2001 حين اجتاحت العاصمة الجزائرية فيضانات عارمة أودت بحياة 500 شخص، لكن من تسبب في هذه الفاجعة لم تكن الأمطار بل سوء إدارة الحكومة أنذاك التي عمدت للتصدي للإرهاب بإغلاق كافة منافذ ومجاري الصرف الصحي، التي كانت تستغلها الجماعات المسلحة في الانتقال والاختباء داخل العاصمة. تخيلوا معي جماعات بأكملها تختبئ في مجاري الصرف الصحي بل هي مدن تحت الأرض، ولا تستغربوا إن قلت لكم إن عمرها يصل للمائة سنة أي من عهد الاستعمار الفرنسي، إلى جانب الأنفاق والجسور التي لم يصبها أي نوع من التصدع أو الاهتراء. بينما لا تمتلك معظم دول الخليج لأي نوع من الصرف الصحي بل يعمدون إلى شاحنات التفريغ العمومية وصهاريج المياه لصرف فضلاتهم الآدمية كما عاينت بمدينة مسقط، أمر يدعو للكثير من الأسى والحسرة لسوء الإدارة والتخطيط والتلاعب ليس بأرواح المواطنين فحسب بل في مصائر أوطان بأكملها." وقال خالد عبد الله، مهندس عربي، عمل في السعودية سابقاً، ويعمل في الإمارات حالياً، "يتكرر مشهد مياه الأمطار في دول الخليج، خصوصاً في السعودية والإمارات، منذ سنوات قليلة، وما ينتج عنه من مشكلات في تصريف المياه، الأمر الذي يبقيها في الطرقات، ما يعيق حركة السير والمرور، ويتسبب في الكثير من الحوادث المرورية، عدا عن المشكلات العامة الاخرى، خصوصاً في الوديان والمناطق الترابية، وعموماً فإن هذا المشهد يكشف عن ضعف في البنية التحتية، وأنها غير مهيأة لهطول الأمطار، وبالتالي فإن دول الخليج التي تشهد منذ سنوات حالات هطول أمطار تبشر بالخير، تحتاج إلى بنية تحتية مختلفة عن المتوافرة فيها، فهي أكثر سوءاً من تلك التي تتواجد في دول عربية وغير عربية فقيرة، وبالتالي يجب العمل بجدية على إعادة تنظيم وتأسيس البنية التحتية من جديد، وفي مقدمتها تأسيس شبكة تصريف مياه الأمطار، وشبكة تصريف مياه الصرف الصحي، بحيث تشمل كل المدن والقرى والبلدات والضواحي والمناطق، بما يكفل تصريف مياه الامطار بالطريقة السليمة، بحيث لا ينجم عنها أي كوارث، كالتي تشهدها العديد من المدن والمناطق الخليجية، لدرجة أصبح خبر هطول المطر يشير إلى كوارث وطوارئ واستعدادات تصل إلى حد تعطيل دوام طلبة المدارس، فما ان يبدأ هطول المطر حتى تبدأ حالات الطوارئ على صعيد الدول والحكومات والمؤسسات والأفراد، وما أكثر ما نسمع عن حالات وفاة وفقدان أفراد وخسارة ممتلكات عامة وخاصة نتيجة تعرضها للانجراف بسبب المياه التي لا تجد طريقة للتصريف. وكثيراً ما تكشف الأمطار عن سوء في الجسور والطرقات، حيث سرعان ما تعاني من تشققات وانهيارات في بعض الجسور، الأمر الذي يستدعي اغلاقها امام حركة السير، نظراً لتشققات وتصدعات بسبب تسرب المياه، كما لم يعد خافياً شكاوى وملاحظات السكان في مثل هذه الأحوال، خصوصاً الذين تتعرض بيوتهم وممتلكاتهم إلى الضرر بسبب اقتحام مياه الأمطار لمساكنهم وممتلكاتهم، حيث تغمرها المياه وتتلف كل محتويات البيوت، كما أن مشهد تجمع مياه الأمطار في الشوارع الداخلية والخارجية، أصبح مألوفاً وحاضراً بقوة في مختلف المواقع، عدا عن تسببه في عرقلة حركة السير وتعطل مركبات في شوارع مختلفة، إضافة إلى تعطل بعض الإشارات الضوئية الأمر الذي يربك حركة المرور والسير. أعتقد ان كل هذا يحتاج إلى دراسات جادة ودقيقة، تركز على ضرورة تأسيس وإعادة تأسيس ما هو موجود من بنى تحتية، خصوصاً شبكة تصريف مياه الأمطار وشبكة التصريف الصحي. سيارات تتنقل بدون سائق أو بنزين السيارات تغرق في شوارع سلطنة عمان جسر ينهار تحت صهريج في المملكة من أثر السيول حبيبة طالب م. أحمد العوضي د. علي الهاشمي م. عبدالعزيز المنصوري