أدت حزمة من التطورات والتحولات التي شهدها العالم خلال العام 2013 إلى حدوث منعطفات مفصلية في القضايا والملفات الاقتصادية الدولية لا سيما المتعلقة بشؤون الطاقة، وأن هذه التحولات كانت نتائج حتمية لتأثيرات وارتدادات الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وعلى وجه الخصوص الزيادة الهائلة والمتصاعدة في الديون الأمريكية والعجز في ميزان مدفوعاتها لا سيما تكلفة الطاقة؛ كونها أكبر مستهلك للنفط في العالم. ووفقاً لتقرير مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية (Cpss) تحت عنوان (النفط والغاز الصخري وطفرة انتاجه في أميركا الشمالية وتأثيره من عدمه على السوق البترولية الدولية) فإن استهلاك الفرد الواحد في الولاياتالمتحدةالأمريكية يبلغ حوالي الثمانية أطنان (7.8أطنان) مكافئاً نفطياً في السنة، مقارنة على سبيل المثال بحوالي أربعة اطنان (4.2 أطنان) فقط في ألمانيا ويأتي أكثر من (حوالي 62%) من هذه الطاقة من النفط والغاز الطبيعي الذي يُستورد جزء كبير منه، بينما البقية من الطاقة من الفحم والطاقة النووية والطاقة المتجددة. صناع القرار في الولاياتالمتحدة وبين التقرير أن التحولات السابق ذكرها شكلت بمجموعها نوعاً من الضغوط على صناع القرار في الولاياتالمتحدة، حيث سعوا جاهدين من أجل إيجاد مخرج من تلك الأزمات المالية المتراكمة ومحاولة تخفيض فاتورة واردات الطاقة، والتي تشكل الطريق الأمثل لتخفيض أو حتى التخلص من العجز المالي، حيث اتجه صناع القرار هناك إلى المرونة والتساهل تجاه حماية البيئة وقوانينها الصارمة، وذلك بإبطال أو رفع بعض القيود والقوانين الصارمة لحماية البيئة والتي كانت بلا شك عائقاً لعمليات استكشاف سواحل واعماق البحار الأمريكية، وسعى المشرعون الأمريكيون بتوفر مناخ تنظيمي لأول مرة وتسهيلات ضريبية لتشجيع استثمارات التنقيب عن البترول في تلك المناطق، لتنتشر بعدها الشركات البترولية المنقبة عن النفط في السواحل وأعماق البحار الأمريكية، ولكن سرعان ما ذبلت وتيرة تلك المساعي التنقيبية، واحدثت ردوداً عكسية على المستوى السياسي والقومي الامريكي وذلك بعد الكارثة البيئية التي نجمت عن تسرب نفطي هائل في خليج المكسيك عام 2010م من أحد الآبار النفطية المكتشفة على عمق 1500 متر تحت الماء وانفجار وغرق المنصة البحرية المخصصة لاستخراج النفط، حيث يعتبر هذا الحدث أكبر تسرب نفطي في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، لتظل الطرق التقليدية في الخروج من مأزق الطاقة ذات مخاطر جمة وغير مقبولة البتة للرأي العام، مما حدى بصناع القرار الأمريكيين إلى التنصل من تلك المسؤوليات تجاه ما حدث من كوارث، ولكنهم من ناحية أخرى قدموا التسهيلات والمزيد من الدعم التنظيمي تجاه التنقيب عن الزيت والغاز الصخري الذي رأوا أنه قد يحقق نهضة أمريكية قادمة في مجال الطاقة خلال زمن وجيز خصوصاً من خلال تطبيقات تكنولوجيات الحفر الجديدة كالحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي لسرعة هذه التكنولوجيات وتأثيراتها في الأسواق النفطية العالمية. التصريحات الإعلامية المتضاربة وبالفعل فقد شكلت طفرة هائلة في انتاج النفط والغاز الصخري بأميركا الشمالية وكانت محور اهتمام شؤون الطاقة العالمية وبالأخص السياسة البترولية خلال هذا العام، مع أن الأكثر مدعاة للتأمل هو التصريحات الإعلامية المتضاربة والمبالغ فيها احياناً عن حدوث طفرة في إنتاج النفط الصخري في أميركا الشمالية وما ذكرته التقارير من أرقام كبيرة لاحتياطيات هذا النوع من النفط بينما هو في الحقيقة أقل من تلك الأهمية بكثير؛ نظراً لارتفاع كلفة استخراج برميل النفط من هذا النوع والتي تزيد مقارنةً بنظيره التقليدي بأضعاف مادية كبيرة وتكلفة بيئية باهظة ولكنها غير محسوسة على المدى القريب وبالتالي تنتفي الجدوى الاقتصادية والمقبولة بيئياً من استخراج النفط والغاز الصخريين بصفة دائمة. وأوضح أنه فقاً لتقارير وكالة الطاقة العالمية فإن تقريرها الأخير لهذا العام توقع أن تتبوأ الولاياتالامريكية المرتبة الاولى عالمياً في مجال الانتاج النفطي بحلول أربعة أعوام، ولكن الوكالة الأمريكية للمعلومات حول الطاقة قد أعلنت فعلياً في شهر سبتمبر من هذا العام بأن الولاياتالمتحدة ستحتل اعتباراً من هذه السنة (2013م) المرتبة الأولى عالمياً في انتاج النفط والغاز متخطية في ذلك المملكة وروسيا، وعلى أرض الواقع فقد سجلت الولاياتالمتحدة أكبر زيادة سنوية في إنتاج النفط منذ أن بدأت في إنتاج الخام عام 1860م حيث بلغت الزيادة 850 ألف برميل يومياً، وشرعت أمريكا فعلياً بتعديل وتطوير المرافئ المعدة اصلاً لاستيراد الغاز والبترول في لويزيانا الى محطات للتصدير، حيث سيتم تبريد الغاز لشحنه إلى الخارج في هيئة غاز طبيعي مسال، حيث أنه كان من المقرر أن تصدر المحطة حال استكمال تجهيزاتها ما يقرب من 20 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً وأن تبدأ الشحنات الأولى في عام 2015م وبادرت بعض الدول الغربية بالتوجه لاستيراد الغاز "الرخيص" من أميركا كأحد الحلول لمساعدة المستهلكين الذين يعانون ارتفاع أسعار فواتير الطاقة بسبب تدني الانتاج المحلي، حيث أشارت بعض التقارير أن شركة الغاز البريطانية «سنتريكا» أبرمت عقداً بقيمة 10 مليارات جنيه استرليني لاستيراد الغاز من أميركا. مصاعب تقنية تجعل تكلفة انتاجه عالية وذكر تقرير مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية (CPSS) الذي اعتمد في إعداده على اخضاع جميع المعلومات والبيانات الصحيحة ذات الصلة للبحث والتحليل والاعتماد على مجموعة من الأسس العلمية والنظرية التحليلية أن هذا الموضوع وما أحدثه من تحول سريع ومفاجئ في مجال الطاقة بسبب رفع بعض القيود والقوانين الصارمة لحماية البيئة لإنتاج النفط والغاز الصخري وسن قوانين مرنة لتلك الطاقة الجديدة متزامناً مع وجود التقنيات الحديثة وتقنية التصوير الجديدة إلى جانب القدرة على الحفر أفقياً وعملية تكسير الصخور الحجرية والتي بالتأكيد ستبدل خريطة الطاقة في الولاياتالمتحدة، ولكن ما تبع هذا الموضوع من نتائج غير واضحة بسبب تضارب الارقام في وسائل الإعلام جعل العالم يعيش حالة من الترقب والدول المنتجة للبترول بشكل خاص حالة من الحذر والخشية بعد التقارير المتضاربة في كمية الإنتاج واحتياطاته وتأثيره من عدمه في السوق البترولية الدولية لاسيما وأن تفوق الولاياتالمتحدة - وهي اللاعب الأبرز بسوق النفط العالمي - على المملكة العربية السعودية من حيث الإنتاج النفطي يطوي بين جنباته ضغوطاً كبيرة على الدول المنتجة. وأفاد إلى أن طفرة الصخري هي مجرد أوهام حيث أنه من المؤكد حتى الآن أن التعامل مع النفط والغاز غير التقليدي يواجه مصاعب تقنية تجعل تكلفة انتاجه عالية جداً مقارنةً مع نظيرة التقليدي رغم كمياته الاحتياطية الكبيرة، إلا أن كفاءة انتاجه متدنية جداً قد تصل الى 5% على أحسن تقدير تكنولوجي من كميات الصخور المستخرجة منها، بينما النفط التقليدي (العربي) قد تصل كفاءة انتاجه 75% من الكميات المستخرجة من باطن الأرض التي تكون في العادة مخلوطة بالماء ومخلفات أخرى، كما أن الصخري يحتاج الى استثمارات ضخمة قد تتأثر بارتفاع وهبوط أسعار النفط التقليدي الذي يجب ألا يقل عن 90 دولاراً حتى تكون هناك جدوى اقتصادية لهذا النوع من الاستثمار في إنتاج الصخري؛ كون التعامل مع النفط والغاز غير التقليدي يواجه مصاعب تقنية أخرى تجعل تكلفة الانتاج للبرميل الواحد بين 80 إلى 85 دولاراً وهو ما يجعل جدواه الاقتصادية ضعيفة جداً مقابل البرميل تقليدي الذي تبلغ كلفة انتاجه بين 3 و 6 دولارات فقط كما هي الحال في المملكة. تسويقه لن يشكل تحدياً على أوبك وخلص التقرير إلى أنه من المؤكد حتى الآن أن "الصخري" أو "غير التقليدي"، لا يمكنه منافسة النفط التقليدي المتميز بكلفته القليلة والأسهل استخراجا والأقل ضرراً للبيئة وينطبق الأمر ذاته على الغاز الذي سبق النفط في تطور صناعته ونتائجه ومن الطبيعي أن وصول سعر برميل النفط الى مستوى ال 100 دولار واستقراره عند هذا المستوى لمدة طويلة نسبياً، فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغاز ووصوله إلى حدود 12 دولارا في الولاياتالمتحدةالأمريكية أدى ذلك إلى البحث في بدائل أقل كلفة ومنخفضة السعر عن البترول التقليدي وهو إنتاج الزيت والغاز الصخري ولو كان بتكلفة بين 80 إلى 85 دولارا لإنتاج للبرميل الواحد، ومن المستبعد مقارعة البترول الخام الذي يبلغ تكلفة انتاجه في المملكة مثلاً الثلاثة الى الستة دولارات لإنتاج البرميل الواحد مما يعني أن انخفاض سعر البترول الى سبعين دولارا للبرميل الواحد في الاسواق العالمية على سبيل المثال سيؤثر حتماً في إنتاج الزيت الصخري بل ربما يلغي جدواه الاقتصادية، وهذا يضعنا أمام حقيقة مهمة يجب الانتباه لها وهي أن إنتاج الزيت الصخري وتسويقه في الأسواق العالمية سينعكس ايجاباً على أسعار البترول التقليدي حيث أن تسويق الزيت غير التقليدي سيعتبر رافداً إيجابياً لمستوى أسعار البترول للدول المصدرة للنفط بشكل عام وبالخصوص لمنظمة أوبك ويصب في مصلحتها نظراً لتكلفة إنتاج الزيت الصخري العالية والتي ستجعل منه عند اقتحامه للأسواق النفطية عامل استقرار لأسعار النفط حيث إنه سيشكل حداً ادنى لأسعار البترول لا تقل عن تكلفة إنتاج الزيت الصخري أي انه سيكون عاملاً مساعداً على استقرار أسعار النفط. وأضاف التقرير أن إنتاج الزيت الصخري وتسويقه في الأسواق العالمية لن يشكل تحدياً على أوبك أو على سياسات المملكة البترولية، بل التحدي الحقيقي هو ذاته الذي يواجه الزيت الصخري وإن تطورت الإمكانيات لإنتاجه وتخفيض تكلفته؛ لأن أضرار استخراجه وتكلفته البيئية على المياه الجوفية والزراعية وعلى صحة الإنسان والحيوان كبيرة جداً وربما أكبر من تلك المخاطر الذي تسببها المفاعلات النووية لاستخراج الطاقة والتي كانت – هذه المفاعلات - في السبعينيات من القرن المنصرم تعد ثورة في الطاقة وبديلاً رخيصاً عن البترول، إلا أن خطره وكوارثه التي بانت للعلن كانت عالية جداً والتي بدأت بحادث انفجار محطة توليد نووية في جزيرة ثري مايل بمقاطعة دوفين بنسلفانيا قرب هاريسبرج سبعينيات القرن المنصرم، وكذلك أكبر كارثة نووية شهدها العالم عام 1986 وهي كارثة مفاعل تشيرنوبيل النووي التي وقعت في الاتحاد السوفييتي سابقاً، وفي هذا القرن كارثة فوكوشيما داياتشي "FukushimaDaiichi " في اليابان منذ مايقارب السنتين (2011م)، وتأسيساً على البيانات والحقائق وتحليلاتها فإن إنتاج النفط والغاز الصخري والتحول السريع المفاجئ في مجال الطاقة هو طفرة أكثر من كونها ثورة وسيكون تأثيرها على الأسواق البترولية محدود في بعض النواحي وربما إيجابية في نواح أخرى.