تتكرر حالات "الفزعة" و"الشهامة" كل موسم تزامناً مع هبوط الأمطار وجريان الأودية بالسيول، كما حدث للشابين اللذين أنقذا أسرة في "منطقة حائل"؛ إلاّ أن الجرة لا تسلم في كل مرة، فهناك شباب تأخذهم "النخوة" فيحاولون الإنقاذ، إلاّ أنهم لا يجيدون السباحة أو التعامل الصحيح خاصةً مع السيول، فيذهبون ضحية أخرى، وما حدث في "منطقة الباحة" أخيراً هو أقرب مثال، عندما سقطت طفلة في "بركة" تجمع مياه السيول بأحد الأودية، وحاولت أختها إنقاذها، ثم التي تليها، ثم الأم، فذهب أربع ضحايا في مدة زمنية قصيرة جداً. تفرج على الغريق ولا تغامر بحياتك وعلى الرغم من جهود قيادة حرس الحدود، وكذلك المديرية العامة للدفاع المدني بتوعية المواطنين وتثقيفهم بعدم السباحة في الأودية والشواطئ، إلاّ أن الأخطاء تستمر، وهو ما يقود في النهاية إلى وقوع خسائر بشرية نحن في غنى عنها، خاصةً لو كان هناك تعامل صحيح مع الحالات الواقعة. ولكي نُساهم في تقليل حوادث الغرق، يجب أن يتم التعامل معها وفقاً لآلية سليمة تحافظ على حياة المنقذ، كإبلاغ حرس الحدود فوراً عبر الرقم (994)، أو الدفاع المدني على الرقم (998)، كذلك من المهم عدم إضاعة الوقت في البحث عن طُرق لا يُمكن أن تُحقق الفائدة وتستهلك الجهود، فالأجدى رمي "قطعة خشب" أو "حبل" أو الصراخ في الناس الموجودين في الموقع، مع البُعد عن "الفزعة" و"النخوة"، مما قد يُسبب الغرق للشخص الذي يريد المساعدة، فالمطلوب معالجة الأمور في إطار الحكمة والمعرفة، وضمن تقدير حجم الخطر، فعملية الإنقاذ "فن" لا يُتقنها إلاّ من مارسها، أو أدرك خطورتها. علي الدبيسي توعية وتدريب وقال "عبدالله الحماد": إن المواقف دائماً تجبر الشخص على "الفزعة" بما يستطيع، فعندما تشاهد شابا أو طفلا أو حتى حيوانا تأخذك الشهامة، فتحاول إنقاذه بما تسطيع من قوة، ضارباً الخطر وما يحتويه عرض الحائط، مضيفاً أنه يجب إعطاء الجهات التطوعية بالتنسيق مع القطاع الحكومي المختص دورات تدريبية للراغبين في عمليات الإنقاذ والسباحة، إضافةً إلى تكثيف الحملات التوعوية والتثقيفية، حتى يكون للفرد دور ملموس في خدمة المواطن والوطن. وأيدته "أم محمد" التي فقدت طفلها في "بركة سباحة"، مضيفةً: "حين غرق ابني في البركة لم يكن أحد في الموقع يجيد الإنقاذ، أو حتى العمليات الإسعافية"، مبينةً أنه ساهم غياب الخبرة في الإنقاذ في وفاته. و"أم محمد" ليست الوحيدة التي فقدت طفلا أو عزيزا بسبب حوادث الغرق التي تخلف الحزن الشديد، فهناك أمهات يضحين بحياتهن من أجل إنقاذ أبنائهن على الشواطئ. شاب ممسك بجذع شجرة منتظراً نجدته عاطفة قاتلة وأوضح العقيد بحري "محمد الغامدي" -الناطق باسم حرس الحدود في المملكة- أن الأمهات الأكثر عرضة للغرق على الشواطئ من أجل إنقاذ فلذات أكبادهن، مشدداً على أن حالات كثيرة تقع على الشواطئ في المملكة بسبب عدم قدرة الشخص على الإنقاذ، مضيفاً أن الأمهات تمثل نسبة عالية من بين الغرقى، إذ تأخذهن العاطفة وينزلن من أجل إنقاذ أبنائهن أو أطفالهن من الموت، فيما يقعن في الخطر، مبيناً أنه من المفترض أن يتم التعامل مع حوادث الغرق وفقاً لآلية سليمة تحافظ على حياة المنقذ، كما أن على الجميع إبلاغ حرس الحدود بحالات الغرق فوراً عبر الرقم (994)، مشيراً إلى أن عامل "الفزعة" قد يكون غير صائب ويسبب الغرق للشخص الذي يريد المساعدة، والمطلوب معالجة الأمور في إطار الحكمة والمعرفة، وضمن تقدير حجم الخطر، ذاكراً أن حرس الحدود بدأ ببث الثقافة والتوعية، والتركيز على توعية الأمهات من خلال لجنة نسائية، مما تسبب ذلك في انخفاض حالات الغرق في المنطقة الشرقية. الاتصال بحرس الحدود يُسهم في إنقاذ الغرقى إجراءات صحيحة وأكد العقيد بحري "الغامدي" على أن هناك سلسلة من الإجراءات الصحيحة في حال الغرق، مضيفاً أنه دائماً ما نركز في حالة مشاهدة أي شخص في حالة غرق أن يتم الاتصال أولاً على (994)؛ مبيناً أن التعرض للغرق يستغرق دقائق بسيطة لا تتجاوز الثماني، ومن المهم إبلاغ حرس الحدود، ثم المحاولة للإنقاذ برمي قطعة خشب أو حبل أو الصراخ في الناس الموجودين في الشاطئ، لافتاً إلى أن عملية الإنقاذ فن لا يجيده إلاّ العارف به، وليس من يجيد السباحة يجيد الإنقاذ. واتفق معه "علي الدبيسي" -منقذ وغوّاص- قائلاً: لا بد من توفير حبال وسترة إنقاذ في السيارة بالنسبة للشخص الذي يقصد البحر، وذلك كي يرميها للغريق في حال صادف وجوده. جمال الزاهر وصديقه بعد إنقاذهما من الغرق تصرف حكيم وأشار "جمال الزاهر" إلى أنه وزملاءه البحاريين تاهوا في البحر، وأنقذهم حرس الحدود من الغرق في عمق البحر، مضيفاً: "تصرفنا بحكمة ولم نكابر، وطلبنا المساعدة الاحترافية من حرس الحدود، ووصلتنا"، مبيناً أن التعامل مع حالات الغرق مسألة خطرة والحكمة تأتي في التعامل الصحيح، لافتاً إلى أنهم انتظروا دوريات حرس الحدود حتى خلّصتهم من حالة ضياع في البحر وغرق، ذاكراً أنهم أوشكوا على الوصول إلى مرحلة الهلاك في الماء، إلاّ أن تصرفهم السليم قاد إلى نجاتهم. وشدّد "الدبيسي" على أهمية أن يتصرف المنقذ بشكل سليم لئلا يذهب ضحية أخرى، مضيفاً أنهم يعملون على توعية المنقذين في الدورات على أساس أن يلتفت لأمور السلامة، فالمهم لدينا سلامة المنقذ أولاً، ثم سلامة من يراد إنقاذه. العقيد محمد الغامدي أدوات سلامة وأوضح "الدبيسي" أن الشخص الذي لا يجيد السباحة من الخطأ أن ينزل للمياه من أجل إنقاذ شخص هو في حال خطرة، ويريد أن يتشبث بأي شيء كي لا يموت، وهنا يجب أن يعلم الشخص أنه من الأجدى الاتصال على الجهات المختصة لتساعده في الإنقاذ، فإن كان داخل المدن في بركة أو ما شابه عليه الاتصال بالدفاع المدني، وفي الشواطئ حرس الحدود، مضيفاً أن عملية الانقاذ يجب أن تكون سريعة، إلاّ أنها ربما تكون عكس ذلك في حال لم يكن الشخص مستعدا لهاً قبل وقوعها، ناصحاً بأهمية حمل أدوات السلامة، وكذلك توفير حبل لرميه إلى الشخص الذي لا يجيد السباحة، كما يجب أن يكون في الحبل إطار هوائي طافي ليتمكن الغريق من التشبث به، لافتاً إلى أنه من المهم أن تتوفر بين كل (80م) مواقع فيها حبال وأدوات على الشواطئ، تُسهّل عملية الإنقاذ، خاصة في الشواطئ العميقة. نتائج عكسية وأكد "الدبيسي" على أهمية عدم التدخل في الإنقاذ إن كان الشخص لا يحسن ذلك، مضيفاً أن التدخل على غير علم قد يؤدي إلى نتائج عكسية تتسبب في مقتل أكثر من شخص، مبيناً أن عملية الإنقاذ يراد منها النجاح وإنقاذ الشخص ومن هم في دائرة الخطر لا توسيع الدائرة، ذاكراً أن العاطفة والفزعة تكون عادة قاتلة للشخص، فهي قد تعقد الأمر أكثر من تبسيطه، وبالتالي تبقى حياة الإنسان على المحك، مشيراً إلى أن المطلوب من الشخص جلب المساعدة الاحترافية إن كان في الموقع، كأن يتصل على حرس الحدود أو الدفاع المدني بدلاً من تضييع الوقت في عمل أشياء بعيدة عن عملية الانقاذ السليمة، موضحاً أن عملية الإنقاذ الناجحة تتمثل في وجود خبرة في الإسعافات الأولية، وفي طرق الإنقاذ داخل الماء.