نصف مليار ريال تضيع سنويا على الاقتصاد الوطني.. والسبب تفشي ما يطلق عليه خبراء الحاسوب (الأمية الالكترونية) والبطء غير المبرر في تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية الذي كان مقررا لها الانطلاق في نهاية عام 2010م، مستهدفا أكثر من 150 جهة حكومية ترتبط بصورة مباشرة بخدمات المواطنين والمقيمين وحياتهم اليومية. تتفاوت أسباب البطء حسبما يقول المختصون بين الذاتي والموضوعي، فهناك بعض الجهات التي تتلكأ عمدا في تنفيذ المشروع الحيوي المهم الذي يغسل يديها من سوء الإدارة والمزاجية والحد من الوساطة والمحسوبية، ومن الأسباب الموضوعية لإرجاء التنفيذ ما يتعلق بعدم جاهزية تلك الجهات في الانتقال من منهج التعامل باليد إلى نهج التعاطي مع مفاتيح الحروف وهو ما أطلق عليه أحد الخبراء.. الجاهلية الإلكترونية! عدم توفر الإرادة وجمود الإدارة والثبات على الموروث دفعت الكثيرين إلى تفضيل الكلاسيكي المألوف على عمليات التحديث، فضلا عن أن قصور النظر والأنانية تدفع بعض الجهات إلى ذلك ووضع مصدات وعوائق مصطنعة أمام برنامج الحكومة الإلكترونية التي تطبق بلا هوادة قيم ومعايير الشفافية والفساد بكافة أشكاله وأنواعه. هدر 35 ملياراً يقول الخبراء إن خسائر نصف المليار تمثل قيمة الهدر المالي والإداري؛ نتيجة عدم استخدام التكنولوجيا في تطبيق معايير الحكومة الإلكترونية في القطاع الحكومي الذى يعاني من الترهل والضعف في معدلات الإنتاجية والجودة. وأشاروا إلى ضياع الكثير من الموارد المالية لعدم وجود نظام موحد للصرف والإنفاق والتحصيل. ويستغرب الخبراء ما أسموه عدم اكتراث بعض الجهات الحكومية بتحصيل الأقساط والديون المستحقة لها لدى الكثير من المواطنين والجهات والقطاع الخاص، مستشهدين في ذلك بأكثر من 35 مليار ريال مستحقة السداد للصندوق العقاري على المواطنين. خسائر كبرى للبلديات الدكتور حبيب الله التركستاني، أستاذ التسويق في جامعة الملك عبدالعزيز، لم يخف دهشته على طول الفترة المخصصة للتحول نحو الحكومة الإلكترونية والمقدرة بنحو خمس سنوات، معتبرا أن الفترة طويلة وغير مبررة في زمن التكنولوجيا الذي يمر بتحولات عديدة ونقلات كبرى في اليوم الواحد وليس بحساب السنين. وأضاف: إن المشروع العملاق كان ينبغي أن يخصص له عامان للبدء في تطبيقه، بشرط أن تكون هناك إرادة وجدية تامة نحو التنفيذ. موضحا أن الخسائر السنوية نتيجة عدم الإسراع في تطبيق النظام الحاسوبي الذي خصصت الدولة له أكثر من ثلاثة مليارات ريال تغطي مختلف المجالات، مشيرا إلى أن قطاع البلديات يعد الأكثر تضررا بسبب التأخير. واستغرب الأرقام المحدودة للإيرادات البلدية رغم تنوع مواردها بين الرخص والرسوم والغرامات وغيرها، ويعزو الدكتور التركستاني ذلك إلى ما وصفه بعدم الشفافية، وتفشي المحسوبية والواسطة والتلاعب في التحصيل، فضلا عن التغافل العمدي عن المخالفات والحقوق العامة، مشددا في ذات الوقت على أهمية إجراء تحقيق عاجل نزيه وشفاف في ما يتعلق بشأن ما يتردد عن فرض بعض المفتشين والمراقبين رسوما شهرية على المحال مقابل التغاضي وصرف النظر عن المخالفات. ويستطرد أستاذ التسويق في جامعة الملك عبدالعزيز: مثل هذه المخالفات تضيع على الاقتصاد الوطني ملايين الريالات سنويا وهي نتيجة مباشرة للبطء غير المبرر وعدم الفعالية في تطبيق نظام إلكتروني مؤثر وإيجابي لتحصيل الرسوم والغرامات التي تذهب غالبية حصيلتها، حسبما يقول إلى جيوب فئة قليلة من الموظفين معدومي الضمير. مقاومة وأمية إلكترونية المشرف على أحد المواقع الإلكترونية المهندس راشد زنان الزهراني، يرى أنه يجب النظر إلى الحكومة الإلكترونية على أنها عنصر رئيس من عناصر الإصلاح وليست مجرد برنامج لإنهاء المعاملات فقط عبر الحاسب. ورجح أن يشهد المشروع مقاومة من جانب الكثيرين في مختلف الدوائر الحكومية لتركيزه على إنجاز معاملات الجميع في إطار من الشفافية دون محاباة لطرف دون آخر. وأشار إلى أن من أبرز المجالات التي يجب أن يتصدى لها البرنامج التلاعب في العمالة الوافدة، وفضح الكثير من الشركات الوهمية التي استقدمت الآلاف من العمالة وأطلقتهم في الشوارع مقابل مبالغ مالية شهرية يدفعها الضحايا إلى جيوب تجار التأشيرات. ويتطرق الزهراني إلى بعض المعوقات الرئيسة التى تواجه المشروع ومن بينها الأمية الإلكترونية، مشيرا إلى أنه على الرغم من التقارير التي تؤكد انتشار الحواسيب الشخصية في في بلادنا إلا أن نسبة كبيرة ما زالت لا تفضل إجراء معاملتها عبر الحاسوب، مستشهدا في ذلك بالبنوك والمصارف، إذ إنها رغم توجهها المبكر نحو التقنية وإمكانية إجراء الكثير من المعاملات عبر الهاتف إلا أنها ما زالت تعاني من الازدحام الشديد بسبب إصرارها على اعتماد النهج الورقي في إنجاز المعاملات والحضور الشخصي للمراجع في مقراتها. مصاعب التحول وثغرات الأنظمة الزهراني يشير مجددا إلى المميزات العديدة التي يمكن تحقيقها من التحول نحو الحكومة الإلكترونية ومن بينها فوائد تقليص المخالفات، وتقليل تأثير العلاقات الشخصية على مستوى إنجاز الأعمال بما يحد من الفساد الإداري إلى جانب توفير نسبة لا تقل عن 20 في المائة من التكاليف المالية عند إنجاز المعاملات. واتفق مع الرأي السابق الذي طرحه الدكتور التركستاني بشأن العوامل الرئيسة لإنجاح المشروع ومن أهمها تغيير نوعية العاملين، تطوير مفاهيمهم تجاه التكنولوجيا والأجهزة المستخدمة وطرق الأداء وتوفير البنية الأساسية. لكنه استبعد في الوقت ذاته أن يؤدى التحول إلى الحكومة الإلكترونية إلى القضاء على الفساد الإداري والمالي بشكل تام لتجذر الفساد في الكثير من الإدارات وسهولة الالتفاف على الأنظمة واستغلال ثغراتها العديدة. واستغرب النقص الملحوظ في الكوادر الوطنية المؤهلة في مجال تقنية المعلومات، مشيرا إلى تعثر تدريس الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية على خلفية قلة الخريجين في هذين المجالين الحيويين. في رأي الزهراني أن الخطوة الأولى للنهوض بالوعي التكنولوجى تبدأ من إعادة النظر في المناهج وتخليصها وتحريرها من الحشو الزائد والحرص على التركيز في نوعية خاصة من الخريجين تملك مقدرات كبيرة وواسعة كبيرة في التعامل مع الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية. وأبدى أسفه الشديد لمستويات الخريجين في اللغة الإنجليزية. موضحا أن بعضهم تجده حاصلا على الدرجة النهاية، وهو لا يقدر على كتابة جملة بسيطة صحيحة. بدا الزهراني محبطا من الالتزام بتنفيذ المشروع في موعده المحدد. وقال إن «90 في المائة من المشاريع لا يتم الالتزام بمواعيد محددة لإنهائها وإكمالها على الرغم من أهمية الالتزام بذلك كمنهج عمل في ظل توفر الدعم المالي اللازم لجميع المشاريع. كما أكد على ذلك ولاة الأمر أكثر من مرة». ويشير الزهراني إلى أن نظرة واحدة لمشاريع البنية التحتية المتعثرة في مختلف المدن خير دليل على ذلك. ربح الوقت والمال على النقيض من الآراء التي طرحها الدكتور التركستاني وخبير المواقع الإلكترونية راشد الزهراني يرى عمر باقازي المهتم بالتقنية المعلوماتية، أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تمتلك عناصر قوة ما يتيح لها فرض تغيير شامل ومؤثر في أنماط العمل والإدارة في جميع المجالات، ومنها قطعا الدوائر الحكومية. موضحا أنه يمكنها رفع كفاءة الأداء وكسب الوقت والمال والجهد. كما توفر الطفرة الإلكترونية الحديثة المتمثلة في مفهوم وتطبيقات الحكومة الإلكترونية إمكانية إشراك المواطنين والمجتمع في مناقشة سياسات العمل وأساليبه عن طرق الحوار المباشر إلى جانب دعم اتخاذ القرارات، وصياغة السياسات بشكل أبلغ للمواطن يمكنه من معرفة احتياجاته. ومن هذا المنطلق، يقول باقازي، نشأت فكرة «الحكومة الإلكترونية»، وأخذت بها معظم دول العالم ووصلت في تنفيذها إلى مستويات متقدمة. مضيفا أن الحكومة الإلكترونية مفهوم تقني علمي جديد يعتمد على استخدام تكنولوجيا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للوصول إلى الاستخدام الأمثل لكافة الموارد الحكومية ولضمان توفير خدمة مميزة للمواطنين، الشركات، المستثمرين والأجانب. وتتطلب إدخال التقنية الحديثة إلى بيئة العمل الإداري بالمنظمات من خلال دمج تقنية المعلومات بثورة الاتصالات بهدف إدخال تغييرات أساسية في أنظمة الإدارة العامة وفي الهياكل التنظيمية فضلا عن تطوير العنصر البشري. الشفافية ومحاربة الفساد يستطرد باقازي: الحكومة الإليكترونية تسهم في تحقيق عدة فوائد منها رفع مستوى أداء العمل الإداري في كافة القطاعات الحكومية، سرعة إنجاز الأعمال عبر البوابة الإلكترونية، خفض التكاليف ووقف الهدر المالي، تقليل التعامل النماذج اليدوية القديمة، تطوير وتسهيل إجراءات وخطوات العمل وتخفيف الأعباء الإدارية على الموظفين، وتحسين مستوى الكفاءة والإنتاجية في الخدمات المقدمة للجمهور. ومن مزايا تطبيق الحكومة الإلكترونية طبقا للمتحدث، الربط بين كافة الخدمات والإجراءات الحكومية بما يكفل سهولة ومرونة العمل بين كافة الأجهزة الحكومية، تسهيل وسرعة تقديم الخدمات للعملاء حتى يتسنى لهم إتمام إجراءاتهم مع الجهات المختلفة عبر طرق اتصال إلكترونية في أي وقت مما يوفر الجهد اللازم لتوصيل الخدمة، تقليل التكاليف الخاصة بتوفير وتطوير الخدمات المقدمة للمستفيدين والقطاعات المختلفة، مواكبة التطور التكنولوجي العالمي في مجالات العمل الإداري الحكومي باستخدام أنظمة إلكترونية حديثة، زيادة الشفافية ومحاربة الفساد والوساطة والمحسوبية. يرى باقازي أن الحكومة الإلكترونية وفق التصور الشامل والمفهوم العام لها يتعين أن تكون وسيلة بناء إداري واقتصادي قوي ومساهم فاعل في حل المشكلات الإدارية والاقتصادية، وتكون وسيلة خدمة اجتماعية تسهم في بناء مجتمع معرفي قوي، ووسيلة أداء لاجتياز كل مظاهر التأخير والبطء والترهل في الجهاز الحكومي. وخلص إلى أنها خير وسيلة للرقابة لما تتمتع به النظم التقنية من إمكانيات التحليل والمراجعة آليا. تعميم الثقافة الرقمية المتخصص في التقنية المعلوماتية حسين علي باهادي يعتقد أن تحويل مفهوم «الحكومة الإلكترونية» إلى واقع فعلي يحقق نتائج كبيرة على جميع المستويات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، إذ يستجيب لتطلعات المستفيدين بتقديم خدمات أفضل من خلال إذابة التعقيدات البيروقراطية والروتينية، توفير إمكانية الدخول إلى كافة الخدمات، وتحديد احتياجاتهم بسهولة مطلقة على أساس من النزاهة والمساواة والشفافية. كما يمثل طريقة مبتكرة لتفعيل الجهاز الحكومي وتطوير أدائه وتخفيف الأعباء الإدارية عنه وإعادة الثقة إلى المواطنين في الإدارة، واصفا «الحكومة الإلكترونية» بأنها ثورة في التفكير والتنفيذ للقضاء على هدر الوقت والجهد والموارد. لكن باهادي يعود للقول إن هذا الأسلوب المتطور في العمل يتطلب إقامة بنية تحتية لأنظمة الاتصالات والمعلوماتية، ووضع الإطار التشريعي المناسب والهيكل التنظيمي الملائم لمنظومة الحكومة الإلكترونية، إلى جانب نشر وتعميم الثقافة الرقمية وتعميق الوعي بمفهوم «الحكومة الإلكترونية» وأهميتها، وشرح الفوائد التي يمكن أن تحققها للمواطنين وللمؤسسات وللحكومة. مواجهة القراصنة .. بالقانون ويشير إلى أن المزايا العديدة التي تحققها فكرة الحكومة الإلكترونية، أهمها تجميع كافة الأنشطة والخدمات المعلوماتية والتفاعلية والتبادلية في موضع واحد هو موقع الحكومة الرسمي على شبكة الإنترنت في نشاط أشبه ما يكون بفكرة مجمعات الدوائر الحكومية، وتحقيق حالة اتصال دائم بالجمهور (24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع، 365 يوم في السنة)، مع القدرة على تأمين كافة الاحتياجات الاستعلامية والخدمية للمواطن، تحقيق سرعة وفعالية الربط والتنسيق والأداء والإنجاز بين دوائر الحكومة ذاتها ولكل منها على حدة. في تصور باهادي المتخصص في التقنية المعلوماتية يعتمد نجاح تطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية بشكل أساسي على حل المشكلات القائمة في الواقع الحقيقي قبل الانتقال إلى البيئة الإلكترونية الكاملة مثل توفير البنى والاستراتيجيات المناسبة الكفيلة ببناء المجتمعات الرقمية، مشيرا إلى أن بناء المجتمعات يتطلب إنشاء وسيط تفاعلي على الإنترنت يقوم بتفعيل التواصل بين المؤسسات الحكومية وبين المواطنين وبين مزوديها، بالإضافة إلى حل جميع المشكلات الخاصة بنظامية وقانونية التبادلات التجارية وتوفير وسائلها التقنية والتنظيمية، وكذلك حماية أمن التعاملات والمراسلات الإلكترونية وصياغة أنظمة جنائية تحد من العبث بأمن المعلومات والإنترنت. وداعا .. طوابير الانتظار الخبير في تقنية المعلومات، عبد الرحمن أبو فطيم، قال إن الحكومة الإلكترونية واحدة من الوسائل الرئيسية للارتقاء بجودة الخدمات العامة من خلال تبسيط الإجراءات وتنظيمها، وتوفر الإمكانية للوصول إلى الخدمات الحكومية بسهولة عبر أجهزة الحاسب الآلي ومراكز الخدمة الآلية ومراكز الأعمال، كما ستنتفي الحاجة إلى مراجعة الدوائر الحكومية للحصول على التعليمات وتقديم البيانات للموظف الحكومي الذي يستقبل المراجعين. ويمكن تقديم هذه الخدمات من خلال شبكة الإنترنت على مدار الساعة دون التقيد بساعات الدوام الرسمي للقطاعات الحكومية. وفي رأي أبو فطيم تهتم الحكومة الإلكترونية في المقام الأول باستخدام التقنية لرفع مستوى الخدمات الحكومية وتسهيل الحصول عليها، والتنسيق بين الهيئات الحكومية المختلفة لتحقيق الفائدة للمواطنين والشركات والحكومة ذاتها. وتشمل الخدمات المشتريات والمناقصات الحكومية للسلع والخدمات، تسجيل وتجديد الرخص والتصاريح، إيجاد الوظائف وتسديد المستحقات. وبالتالي فإن الحكومة الإلكترونية تهدف إلى تحويل التعامل بين القطاعات الحكومية مع بعضها إلى طريقة تتسم بالسهولة والراحة والشفافية والجدوى الاقتصادية. وتقع الحكومة الإلكترونية في محور التعاملات بين ثلاثة قطاعات حيوية: القطاعات الحكومية، قطاع الأعمال، والمواطنين. كما أن للحكومة الإلكترونية دورا رئيسا في توظيف الكوادر البشرية، وتنفيذ المشتريات والمنافسات، وإعداد التشريعات، وتقديم الخدمات، وتحصيل الإيرادات. وخلص أبو فطيم إلى أن مبادرات تنفيذ الحكومة الإلكترونية يمكن أن تكون حافزا لنمو استخدام تقنية المعلومات في الدول ودعم كفاءة الأداء. مشيرا إلى أن الكثير من الدول تنفق بسخاء على الحكومة الإليكترونية ومن بينها الولاياتالمتحدة التي أنفقت أكثر من 6 مليارات دولار في عام واحد فيما أنفقت بريطانيا في ذات الفترة 4 مليارات دولار في بناء نماذج للحكومة الإلكترونية في مختلف المؤسسات، مشيرا إلى أن الإنفاق على مثل هذه المشروعات يجد تأييدا كبيرا لدى الدوائر في أغلب دول العالم للتغلب على مشكلات البيروقراطية والمركزية، وتأخر الخدمات وهدرها وطوابير الانتظار.