لكل مرحلة من المراحل التي تمر بالشعر سمات معينة تميزها عن غيرها، وكذلك تبرز وتستجد في كل مرحلة ظواهر لم تكن معهودة لدى المُتابع في السابق، ولعل إحدى أوضح الظواهر التي برزت خلال الفترة الأخيرة كثرة احتفالات التكريم التي تُنظم تكريماً للشعراء على اختلاف تجاربهم واستحقاقهم للتكريم أو عدم استحقاقهم له، وتأتي تلك الاحتفالات في الوقت الذي يتحدث فيه كثير من المُتابعين والكُتاب عن غياب ثقافة التكريم والوفاء للمبدعين من الأحياء والأموات. قد يُقال بأن كثرة احتفالات تكريم الشعراء لفتة إنسانية رائعة ومؤشرٌ إيجابي لانتعاش ساحة الشعر وحضور للوفاء الذي يشكو مُعظم الناس من غيابه، لكن الحقيقة أن احتفالات التكريم بالنسبة لبعض لشعراء أصبحت وسيلة لاستجداء المال والثناء من الآخرين، فقد شاهدنا مؤخراً احتفالات تكريم لشعراء لمجرد أن أحدهم شارك في مسابقة شعرية أو امتدح قبيلته بعدد من القصائد، وأعتقد أن هذا مُبرر غير كافٍ أو مُقنع لإقامة حفل تكريم للشاعر على مستوى القبيلة مهما بلغ مستوى الشاعر في قصائده أو حين مُشاركته، والمؤسف أن كثيرا من تلك الاحتفالات التكريمية تُقام بمُبادرة من الشاعر المُكرّم نفسه أو بإيعاز منه لأشخاص من المُقربين له. أعتقد أن التكريم يستحق أن يُسمى تكريماً حين تُبادر به جهة رسمية أو إعلامية لها حضور وتأثير جيد على المتلقي، أمّا حين يأتي التكريم بُمبادرة شخصية من الشاعر نفسه أو بُمبادرة من أشخاص يقترح عليهم القيام بهذه المُهمة نيابةً عنه فلا يُمكن أن يُعد تكريماً حقيقياً، بل يُمكننا القول بأنه كذب على النفس وادعاء للتميز، ولا أعرف إذا ما كانت هذه السياسية الجديدة التي يُمكن تسميتها بسياسة (كرّم نفسك) سابقة للشعراء الشعبيين أو أن هناك من سبقهم إليها..؟!! أتمنى أن لا يُفهم كلامي على أنه تقليل من شأن الشعراء الذين تم تكريمهم بعد مشاركاتهم في المسابقات أو بعد إثبات تميز حضورهم الشعري، لأن الهدف من كتابة هذه السطور ونقد هذه الظاهرة هو التأكيد على أن التكريم يجب ألا يحظى به إلا من يمتلك تجربة ثرية ومُختلفة ومميزة ويكون جديراً بالتكريم شكراً وتقديراً له على إنجازات استطاع تحقيقها في مرحلة أو مراحل زمنية مُعينة، وأجزم أن أياً منّا لا يُمكن أن يستغرب مُبادرة تكريم شاعر الوطن الشاعر الكبير خلف بن هذال التي أُعلن عنها مؤخراً، فمثل ابن هذال يتفق الجميع على حجم تأثير قصيدته والمكانة الشعرية التي بلغها بعد سنوات طويلة من العطاء، وأعتقد أن هناك الكثيرين غير خلف بن هذال يستحقون التكريم ونتمنى أن تُبادر جهات رسمية أو إعلامية بتكريمهم ومنحهم أقل ما يستحقون وهو الشكر والتقدير. أخيراً يقول المبدع خالد الجاسر: طيوف الأحباب يوم أقفوا وملّوني على مراسي شعور الفقد رسّتني وما دامهم خانوا العشره وخلّوني الذاكره ليش ما خانت ونسّتني؟