على مرِّ العصور كانت أرض نجد رمزاً للشعر والحب، وكانت أنسامها وصباها تبعث الشوق والتوق، حتى شعر في (نجد) من لم يرها قط: قال فيها الشعر الشامي والمغربي، والمصري واليمني، الحجازي والأندلسي، لأن الحب العذري ولد في نجد.. وفحول الشعراء كانوا من نجد. ولأن أرضها طيبة خاصة حين يصيبها المطر وتهب صباها، منها تفوح روائح الخزامى والرند والشيح والنفل، ويطرب شجر الغضا على خدود النفود التي أصابها رذاذ المطر بالخجل.. فلأن نجد إذا أصابها الحيا روضة غناء.. أو حفلة غزل.. يختلط فيها تغريد الطيور مع روائح الزهور ويمتزج نسيمها العليل مع أريجها الزكي فترد الروح وتشفي العليل.. وتنبلج عن تربة كالدر النظيم تفوح بالمسك الفتيق: أمسك الصبا أهدت إليَّ صبا نجد وقد ملئت أنافسه لي بالوجد رماني بحر الشوق برد نسيمها أحدثت عن حرٍّ مذيبٍ مِنَ البرد؟! وتظل نجد وأنسامها.. ملهمة للشعر والغرام.. موحية بالوجد والهيام: إلى نجد ومن فيها أقاما تحيات الشقائق والخزامى بلاد الماجدين فداك قلب بحبك هام مذ عرف الهياما وفي القديم والحديث.. وبالشعبي والفصيح.. عبّر الموهوبون عن إعجابهم بأرض نجد.. وحبهم لها.. وحنينهم لربوعها.. وشوقهم لأنسامها.. ولهفتهم على التنزه في رياضها وعياضها.. يقول الشريف الرضي: يا صاحبي قفا لي واقضيا وطراً وحدثاني عن نجد بأخبار هل روّضت قاعة الوعساء أن مطرت خميلة الطلح ذات البان والغار؟ ويقول ابن نباتة السعدي: يا حبذا أرض نجد كيفما سمحت فيها الخطوب نجد كيفما سمحت فيها الخطوب على يسر واعسار وحبذا ناعم من تربها عبق هبت عليه رياح غب امطار أحبها وبلاد الله واسعة حب النخيل غناه بعد اقتار ونسيم نجد في الربيع يكاد من رقة يموع: قد صفا الجو واستحال نسيما وتندّى الهوى فهو يموع وفي أواخر الصيف وبواكير الربيع يصبح ليل نجد سحراً ساحراً ينعش الخلايا والحنايا ويداعب الأحلام كأنه أنسام النعيم: يا رب ليل سحر كله متَّضح البدر عليل النسيم لأن بيئة نجد نقية قصحراؤها الواسعة وأشجارها الهاطرة نقية صافية وإلى ما تكون في الأوقات الماطرة حيث يمر نسيمها نقيّاً رقيقاً يرد الروح: نسيم كأن مسراه في الأرواح مسرى الأرواح في الأجساد وللأرجاني: أضم على قلبي يدي من الوجد اذا ما سرى وهنا نسيم صبا نجد وتجر صبا نجد القلوب كما تجره فاتنات الصبايا: يجر الصبا قلبي إذا جرت الصبا ويأبى إليها القلب إلاَّ تقلُّبا فيا ليل نجد إن ليل تهامة تنسم نسيما منك حتى تحببا ويا ليل نجد زر تهامة علني أضيفك قلباً من هواك معذَّبا لهذا تزداد الأشواق إلى نجد وتهتاج المشاعر في الطريق إليها: أقول لصاحبي بأرض نجد وجد مسيرنا ودنا الطريق أرى قلبي سينقطع اشتياقاً وأحزاناً وما انقطع الطريق والنبات الصحراوي على ثرى نجد أحلى عندهم من الفل والورد: بلغت إلى حلوان والقلب نازع إلى أهل نجد أين حلوان من نجد لجثجاث أرض حيث يضربه الندى أحب وأشهى إلينا من جنى الورد وحتى حين تجدب نجد، ويهاجر منها أهلها، كما فعل بنو هلال، فإنهم يظلون يحنون لها حنيناً، ويناجونها على البعد.. يقول شاعر من بني هلال: يا نجد لو أن الجفا منك مرّه صبرنا، ولكن الجفا منك دايم يا نجد وان جاك الحيا فازعجي لي مع الطير وإلاّ ذاريات النسايم ولابن لعبون يدعو لنجد بالسقيا: يا مال هطّال صدوق حقوقه مترادف مبناه طاقٍ على طاق يقتل ندّاف الطها من طبوقه مثل النعام ان ذارها زول تفّاق ترفي مريضات النسايم فتوقه يشبه كما ليلٍ على الصبح ينساق تفترّ عن مثل الدحاريج موقه أربع ليالٍ مدلجاتٍ على ساق ومن حب العريني لنجد يدعو لها بسيل يملأ السهل والجبل، ويفيض منه وادي حنيفة، وتجم الآبار، وترتوي الأشجار، وتصير النخيل بهجة للناظرين، وتغني الطيور جذلى على أطراف الأشجار وعسبان النخل ويصبح الجو رائعاً والوجود أحلى وأجمل: سوقى إلى حقّت علينا السحابه واخضر كل معذُّرٍ من هضيبه علّه من البّره إلى أقصى اللهابه وإلى حد منّا يجيهم جذيبه وديارنا اللي في ملاقى شعابه يرجع لها عقب الشهابه عشيبه ووادي حنيفه مدّ حبل الرجا به جمّه على الطيّه يخصه عسيبه حتى النخل يشتاق حيٍّ مشى به باطراف سبحاته تنوح الربيبه