إنها نجد... لذكرها يطرب البشر ويترنم باسمها الطير والحجر... قصيدة عشق مطرزه بروعة البيان فتنت الشعراء فهاموا بها وكتبوا فيها غرر القصائد.... فكان من حقها أن تتيه فخرا لتزاحم نجم السماك الأعزل... لقد سطر فيها الشعراء ملحمة من قلائد الشعر الوجداني.. هذه هي نجد التي هي اسم للأرض العريقة التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق و الشام... وحدها ذات عرق من ناحية الحجاز وما ارتفع عن بطن الرمة، فهو نجد إلى أطراف العراق وبادية السماوة و هي بصوره عامة الهضبة التي تكون قلب الجزيرة العربية وتتخلل الهضبة أوديةٌ وتلالٌ ترتفعُ عن سطح الهضبة وتتألفُ حجارتها في الغالب من صخورٍ كلسية ومن صخور رملية جرانيتية. وتتألف نجد من الوجهة الطبيعية من مناطق ثلاث هي: 1- منطقة وادي الرمة: وتتألف أرضها من طبقات طباشيرية في الشمال وحجارة رملية في الجنوب. 2- المنطقة الوسطى: وهي هضبة تتألف من تربة متموجة تتخللها أودية تتجه من الشمال إلى الجنوب و بها جبل (طويق). 3- المنطقة الجنوبية: تتكون من المنحدرات الممتدة بالتدرج من جبل طويق ومرتفعات المنطقة الوسطى إلى الصحاري في اتجاه الجنوب. ويقسم علماء العرب نجدا إلى قسمين: نجد العالية ونجد السافلة. وأما السافلة فما ولي العراق. وفي كتاب صبا نجد لمؤلفه الأديب الأستاذ محمد بن عبد الله الحمدان يجد الباحث عن نجد بغيته فهذا الكتاب الموسوعة يتحدث عن "نجد في الشعر و النثر العربي" ومنه نقتطف بعض الورود والأزهار لنقف عما قيل عنها من شعر ونثر.. لقد قال فيها أديب العربية الشيخ علي الطنطاوي متسائلا: " وهل في معجم القومية كلمة أظن وأكبر وأيسر من كلمة (نجد) "؟!!! نجد دار العرب ومثابة الهوى، وملحمة الشعراء. و أضاف الطنطاوي متسائلا: هل في الأرض كلها على رحبها واد أو جبل أو بحيرة أو أريكة أو روضة من رياض الحسن، أو جنة من جنان الفتون قال فيها الشعراء (شعراء كل أمة) مثل الذي قال شعراء العرب في نجد؟ من شعراء الجاهلية الأولى إلى هذه الأيام لا يضيق مكان القول في نجد ولا يفرغ الشعر من الكلام عن نجد. لنتأمل كيف وصف د. عبد الوهاب عزام (نجد)... فماذا قال فيها ؟ قال:"(نجد) الفيحاء الخضراء، ذات الأودية والمروج، والقرى والحدائق وذات الجبال والسهول، والمن والبر، منبع القبائل الكبيرة، ومسرح الجياد العربية الأصيلة... نجد ملعب الصبا والنعام، ومنبت العرار و الخزامى، ومرتع الشعراء تجاوبت أرجاؤها بأشعارهم، وروت غدرانها ورياضها أخبارهم، بلاد امرئ القيس، وطرفة، والحارث بن حِلِزة، و أوس بن حجر، وزهير، وعنترة. ألا يا صبا نجد متى هجتِ من نجد... لقد زادني مسراك وجدا على وجد... نجد التي أثارت الهوى و الفتون، ونشّأت ليلى والمجنون، نجد أجا وسلمى وأبا نان، وحيث سهل القصيم والصمّان، وحيث اليمامة ذات النخيل و الزروع، والأودية والعيون. مسارح الجلال والجمال، ومشاهد البداوة والحضارة، مجالس النشاط والقوة، والمروءة والفتون. لقد هام الشعراء بها عشقا فوصفوا مغانيها ومباهجها فتغزلوا بشيحها وخزامها وبانها فترابها غب المطر عود ومسك وغبر. نجد في الشعر العربي ونقرأ هنا لمجنون ليلى وقوله في (نجد): أكرر طرفي نحو نجد وأنني إليه وان لم يدرك الطرف أنظر حنينا إلى أرض كأن ترابها إذا مطرت عود ومسك وعنبر بلاد كأن الأقحوان بروضة نور الأقاصي وشي برد مجر وهذا الصمت بن عبد الله القشيري يبدع في قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: أقول لصاحبي والعيس تهوى بنا بين المنيفة فالضمار تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العيشة من عرار وللصمت أيضا قصيدة تعد من غرار القصائد التي تغنت بنجد: وقد غنتها سفيرة النجوم إلى الأرض الفنانة (فيروز) قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى وقل لنجد عندنا أن يودعا بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربى وما أحسن المصطاف والتربعا وهذا أبو فراس الحمداني يقول: يذكرني (نجدا) حبيب بأرضها أيا صاحبي نجواي هل ينفع الذكر وقال المتنبي: نحن أدرى وقد سألنا بنجد أقصير طريقنا أم يطول وكثير من السؤال اشتياق وكثير من رده تعليل وكثيرة هي القصائد التي قيلت عن نجد والتي يحتاج رصدها إلى سفر طويل يضيق المقام عن الإحاطة ببعض ما قيل فيها..... وكما ألهمت نجد شعراء الفصحى كذلك وكان لشعراء الشعر الشعبي وقفات مع نجد... وما أدراك ما نجد؟!.. نجد في الشعر الشعبي.. يقول الأمير الأديب المبدع خالد الفيصل في قصيدة له بعنوان "سرية" أهداها للأمير سلمان بن عبد العزيز قال فيها: سريت ليل الهوى لين أنبلج نوره أمشي على الجدي وتسامرني القمرا طعس وغدير وقمر ونجوم منثوره وأنفاس (نجد) بها جرح الدهر يبرا (يا نجد) ألأحباب... لك حدر القمر صوره طفلة هلال وبنت أربع عشر بدرا حبيبتي (نجد) عيني فيك معذوره معشوقة القلب فيها للنظر سحرا فضة شعاع القمر في (نجد) مسحوره من شاف لمعة قمر في خده سمرا وليالي نجد ليس لها مثيل.... يقول الأمير بدر بن عبدالمحسن أيضا: ليالي نجد ما مثلك ليالي غلاك أول وزاد الحب غالي ليالي نجد للمحبوب طيبي أمانة نور عيني بالليالي وقال الأمير محمد بن أحمد السديري في قصيدة بعنوان(الدمعة الحمراء) سقى (نجد) من نور السماء صادق بالحياء من الهرف هطال تقافا سحايبه أنا عفت (نجد) وصاحبي بين حيها ولا ذكر محبوب جفا دار صاحبه ولكن حبيبي حيل دوني ودونه وحبل الرجاء من قطع كف جاذبه أنا عفت (نجد) وحبها يسكن الحشا وفيها عزيز الجار قلبي يداعبه سقى نجد مما قلت تسعين حجة زهر عشبها فيها مغطى ذوابيه تركت (نجد) ولي (بنجد) بضاعه حريب الردا ما رضى على الذل حاجبه وللأمير محمد بن أحمد السديري قصائد عديدة في نجد وفيها: أنا من (نجد) يكفيني هواها ويبري لوعتي شربي لماها هذا وصف رائع لنجد وهذا البيت من الشعر هو عندي في ميزان قصيدة ولريم الصحراء أبيات جميلة تقول فيها: يا (نجد) لو حبيت ما أحب مثلك لا والذي يا(نجد) بالعز غطاك حبك بوسط القلب يا(نجد) يكبر روحي معاه العمر يا(نجد) تفداك يا(نجد) يا عزي ويا عز غيري يوم الوفاء والجود والعدل مبداك هذه هي نجد موئل السحر والجمال بنسيمها العذب الرقيق اللطيف فتنت الشعراء وفجرت لديهم ينابيع الشعر هتانة عذبة ... فهذا ابن هذال يقول في احدى قصائده: يا نجد لا جاك الحيا صيحي لنا وشبي لنا بدار المقوقي نار يا نجد لا جاك الحيا وصي لنا لا زان وقتك وأرسلي عمار حلفت أنا يا نجد ما أرخصك عندي مير الدهر والوقت فينا جار