يرد اسم (المحروسة) أم عمرو .. في الأدب العربي كثيراً .. ولا أدري ألها وجود أم هي من نسيج الخيال؟ فشاعر كبير مثل جرير يقول : «ياأم عمرٍو جزاكِ الله مغفرةً رُدِّي عليَّ فؤادي مثلما كانا» وكُنَّا نسمع هذا البيت (صوت) في أغاني المطربين القدماء في الخليج .. (يلعلعون) به ويرددونه بحرقة ويهزون رؤوسهم ثم يضيفون بحسرة: -الله الله !! .. «ياأم عمرٍو جزاك الله مغفرةً .. (الله الله).. والأصوات القديمة في الخليج كانت جميلة وألحانها أصيلة ربما ضربت جذورها في عمق التاريخ الطربي فكتاب الأغاني قائم على (الأصوات) وهذا أشهر كتاب أدبي على الإطلاق، حتى إن أحد الأدباء كان إذا أراد السفر أو الانتقال من بيت إلى بيت يحمل كتبه على عدة (حمير) أعزكم الله .. فلمّا ألف أبو الفرج كتابه (الأغاني) استغنى به عن جميع كتبه الكثيره .. وأراح نفسه وأراح حميره .. وأرى أن (قوقل) الآن أراحنا من الجميع تقريباً بما فيه كتاب (الأغاني) نفسه، ولكل زمنٍ دولة ورجال .. حتى سكينة بنت الحسين رضى الله عنه وأرضاه لها قصه مع (أم عمرو هذه) فقد كانت سكينة تحب الأدب والشعر ، وكانت -كما ورد في كتاب الأغاني ذاته - تسير في موكبها بليل، فسمعت صوتاً بعيداً يحدو ويقول: «لولا ثلاث هُنَّ عيشُ الدهرِ .. ثم اختفى الصوت ، فقالت لقائد قطارها : إلحق بنا هذا المنشد لنسمع منه ماهذه الثلاث؟ فطال طلبه لذلك حتى أتعبها فقالت لغلامٍ لها :-إلحق به أنت حتى تسمع منه .. فسار إليه الغلام مسرعاً ورجع لها متعبا، وقال : سمعته يقول : «لولا ثلاث هُنَّ عيش الدهرِ الماء والنوم وأم عمرو» فقالت : قبحّه الله أتعبني منذ الليلة!» فهي - رضي الله عنها ذات ذوق في الشعر وفي الأدب فالرجل المخبول ساوى (أم عمرو) بالماء والنوم .. لم يكن لديه لا شاعرية ولا ذوق ! . وروى الجاحظ في نوادره أنه صاحب رجلاً ظنّه عاقلاً ثم افتقده وسأل عنه، فقيل له: إنه مريض.. فزاره ليطمئن عليه وسأله عن علته، فقال: الفراق قال : أي فراق؟ فأجاب الرجل: - فراق أم عمرو.. قال الجاحظ: تجد غيرها وربما خيراً منها فرد: - أو تحسبني أعرفها يا جاحظ ؟ - إذن ؟ - سمعت رجلاً ينشد بليل: «ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمارُ» فأنا حزين عليها مشتاق لرجوعها مريض بفراقها، قال الجاحظ : فعزمت على كتابة أخباره مع الحمقى .. بل هو أولهم .