من أشعار سليمان بن شريم قال: أول معرفتنا طرابات وعجوب واتلاه جرح ما يداوى صوابه غديت من فقده غدير ودغلوب نشّ الغدير ولا بقى الا ترابه جاء في لسان العرب: (نَش الغَدِير والحَوْض يَنِشّ نَشّاً ونَشِيشا: أي نَضَبَ ماؤُهما). قد يرى القارئ في الصورة الفوتوغرافية ترجمة حقيقية لتصوير الشاعر رحمه الله, لكن قد تسأل عن علاقة (الدغلوب) ب (البعروص), ومعنى المثل في عنوان المقال ودلالته؟ البَعَارِيص ومفردها بعْرُوص كلمة عامية يرادفها كلمة عامية أخرى هي الدَّغَالِيب ومفردها دْغْلُوب, وهذان اسمان لنوع واحد ينتمي (علميا) لعائلة القشريات التي يندرج فيها (الربيان, الجمبري) لكنه نوع مختلف عنها, وهو يوجد في المياه العذبة مثل الغدران وتجمعات مياه الخباري والروضات في المناطق البرّيّة بعد هطول الأمطار في فصل الخريف, ولعل هذا الكائن هو المقصودة في لسان العرب باسم الدعموص حيث قال ابن منظور: (الدُّعْموص: دُوَيْبَّة صغيرة تكون في مُسْتَنْقَع الماء، وقيل: هي دُوَيْبَّة تغوص في الماء، والجمع الدَّعامِيص والدَّعامِص), وفي القاموس المحيط ورد أن (الدُّعْموص: دُويْبَّةٌ، أو دُودَة سَوْداءُ تكونُ في الغُدْران إذا نَشَّت). وقد اعتبر العلماء المعاصرون وجود هذا النوع من القشريات في صحاري الجزيرة العربية من الدلائل على أنها كانت بيئة أنهار في حقب تاريخية ضاربة في القدم. ومن عجائب هذه الكائنات (الدغاليب, الدعاميص) أن بيضها يفقس إذا تجمع عليه الماء عن يرقات ترتبط حياتها بوجود الماء, فإذا نشّ الحوض أو المستنقع ماتت وبقيت على سطح الأرض كما ترى في الصورة, لكنها تضع خلال دورة حياتها القصيرة بيضاً صغيراً جداً (دقق في الصورة) ويبقى سنين عديدة فإذا تجمعت المياه مرة أخرى وتهيأت الظروف المناخية الملائمة فقست وظهرت الدغاليب مرة أخرى, وهكذا. والمثل العامي (بعروص حاسل عنه الماء) يضرب في دلالته العامة للضعف وللخور وتلاشي القوة وفقد دوافع أو عوامل البقاء. نش الغدير ولا بقى إلا ترابه