في نفس الوقت الذي كان شبابنا يسامون سوء العذاب في سجون العراق، ويتعرضون لأقسى صنوف التنكيل وشتى أنواع الذل والمهانة، كان أحد الوعاظ التكفيريين قد نادي على حسابه في تويتر.. للنفير؟! وفي نفس الوقت الذي كانت فيه قلوب أمهات وأقارب مساجيننا في العراق متورمة باللوعة والحزن بعد أن تناقلت الأخبار ما حل بهم من بطش إثر مباراة لكرة القدم ضد فريق العراق، حيث كان السجناء السعوديون بعد الهزيمة هم الهدف الضعيف المستباح الذي لا حول له ولا قوة، وسط أجواء سجون يهيمن عليها تطرف طائفي ظلامي، مع انخفاض حاد في قوانين حقوق الانسان (العراق تقبع في مرتبة متدنية فيما يتعلق بحقوق الانسان)، فما بالكم بوضع المساجين من فتيتنا وشباننا؟ أولئك الذين تركوا قاعات التعليم شاغرة، وتخلوا عن أدوارهم المتوقعة منهم في مسيرة التنمية، ولبوا تحريض من يتلاعب ببساطة بوعيهم وحماس شبابهم. تزامن هذا كله مع وعاظ التطرف وقد شدوا الأحزمة وتمنطقوا بالفتاوى، وأعلنوا النفير! فأحدهم لايكتفي بأن يدعو إلى نصرة المقاتلين في الشام، بل يقوم بدور حركي نشط حيث يحدد المكان والزمان وكأنه قائد عسكري يرسل سرية، فيكتب في حسابه في تويتر أن إخوانكم على حدود الشام بين قبضتي الجيش العراقي، والكردي العلماني، فهبوا لنصرتهم. والآخر انتهى من تظاهرة أمام باب الديوان ضد قيادة المرأة للسيارة، ثم هرع إلى (مقابلة) حسابه في تويتر، يغلف آراءه بأوعية دينية تغري البسطاء محرضا إياهم على نصرة الإخوان في اليمن وتحديدا في منطقة (دماج) ضد الحوثيين الرافضة، وهو أيضا قام بتحديد دقيق للمكان ولم يبق إلا أن يمرر لهم إحداثية موقع المعارك. وهؤلاء الوعاظ لايكتفون بهذا بل يروجون لأرقام هواتف على حساباتهم للتواصل ولنصرة الإخوان.. ما طبيعة هذه النصرة هل هي بالمال أو البدن أو التسليح؟ لا أدري عن التأصيل الشرعي لهذه الدعاوى للنفير، ولكنهم في حساباتهم لاترى سوى استحثاث على الخروج (يجب شرعا نصرة أهلنا في كذا وكذا.. بالنفس والمال والسلاح ضد العدوان الرافضي) مع قوائم بوصايا للمجاهدين والدعاة. إنهم يدعون للنفير بشكل منقطع عن محيطهم وكأنهم دولة داخل دولة، ويبدو واضحا من طروحاتهم عدم انتمائهم أو اعترافهم بحدود الدولة القطرية أبدا، واستغراقهم في حلم الأمة الكبرى، أجندة سياسية مابرحت تحتل الواجهة (وصايا المجاهدين والدعاة) في زمن الكاسيت انتقلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي. يقول عن هذا الشيخ د. عبدالعزيز الفوزان (إلى متى السكوت عن هؤلاء الجهلة المجرمين الذين يقامرون بحاضر الأمة ومستقبلها وواقعها ويزعزعون أمنها ويغررون بشبابها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)؟ مستحضرا الحديث الشريف (إنهم كلاب النار، وشر الخلق والخليقة، وشر من تحت أديم السماء، وأنهم لا يزالون يخرجون على الأمة حتى يخرج آخرهم مع الدجال). ولكنهم لايبالون بمقولات الشيخ الفوزان أو أي من الطروحات المعتدلة فلهم شيوخهم الذين يمنحونهم الغطاء الشرعي.. وهم ذاهبون في غيهم.. أين الشروط الشرعية للنفير؟ أين حقن دماء المسلمين من الفتن؟ يرسلون الأبناء رصاصات رخيصة، ويبذلون دماءهم في حروب عبثية، ويقذفون بهم إلى أماكن محتشدة بالموت والعنف، والمرتزقة والشبكات الاستخبارية، ولعبة دولية قذرة. ينتزعونهم من حجور أمهاتهم، ويرسلونهم بدم بارد إلى هناك.. ومن يتابع حساباتهم ويشاهد مقاطع الأناشيد والدعوة إلى النفرة، وعمائمهم السوداء، يعلم بأن القاعدة مازالت تعمل بيننا بتمام قوتها ولياقتها.. لاأدري عن الأجندة التي يرمون إليها.. ولكن من يتابعهم يعلم بأنهم قنبلة موقوتة.. لو حدث حولنا أدنى اختلال أمني فسيثورون بوجه الجميع بشكل منفلت وخطر.. وقال الشيخ الفوزان في تغريدة لاحقة له: «إذا كانوا يريدون أن ينصروا الأمة، فليكفوا شرهم عنها، ولا يتدخلوا، لأن في تدخلهم جلباً ودفعاً للقوات الأجنبية للتدخل، بسبب ما عرف عن ظلم القاعدة). لاأدري إن كانوا ينصتون أم (على قلوب أقفالها)؟