قالت لي بنبرة صوتها الهادئة: «أجد في المرأة العربية قوة لا أجدها في غيرها من النساء» طرقت هذه الكلمات أذني في يوم «بوسطيني» حار ومليء بالرطوبة وينذر بعاصفة كما يقول مذيع الأخبار، كانت السيدة التي تتحدث عن كيف أنها تشعر أن المرأة العربية تعرف جيدا نفسها... بدءا من البدويات التي شاهدتهن في سيناء مرورا بالفلاحات بين أشجار الزيتون إلى الباحثات اللواتي قابلتهن في المؤتمرات المختلفة!! والسيدة كانت تتحدث عن مشاهدتها الشخصية من خلال علاقتها الكثيرة بنساء عربيات، ورغم أنني لا أحب مقارنة شخص بآخر أو مجتمع بآخر، ولا أحب التعميم لأنني أجد فيه مثالا لضيق الأفق، إلا أن كلمات هذه السيدة جعلتني أفكر في نماذج لنساء كثيرات مررت بهن، أو سمعت حكاياتهن. وهذا هو المدخل لحكاية «أم حسن»، التي كنت أفكر في أن أحكيها لكم منذ بداية الصيف. وهذه الفتاة في نهاية العشرينات، متزوجة من ابن خالتها الذي هو ابن عمها، ولديها منه أربعة أبناء، تزوجته وهي في مرحلة الدراسة المتوسطة لذلك لم تنه دراستها، فقد انشغلت بالزوج والأبناء. الزوج قرر الزواج بأخرى، وهذه لا تشكل مصيبة لأم حسن فأبوها متزوج من ثلاثة وكذلك أبو زوجها، لكن المشكلة كانت في أن الزوج الأصيل قرر الانسحاب الكامل من حياة «أم حسن والأولاد» ماديا ومعنويا، وأم حسن لا تعترض على رحيل الزوج لكنها ترفض فكرة أن تبقى معلقة، وترفض أن يبقى الأولاد بلا معين. لذلك فإنها سعت للعمل حتى تجد بعض الاستقرار المادي، واتفقت مع سائق ليموزين كي يوصلها من وإلى المكان الذي تعمل فيه، ورغم اعتراض الإخوان الذين لم يفكروا في مساعدتها ماديا لكن علت أصواتهم حين قررت أم حسن أن تسعى للطلاق، فكيف يمكن لأختهم أن تجرر ابن عمها للمحاكم؟ ومنذ متى كانت نساؤنا يدخلن محاكم؟ أم حسن لم تهتم باعتراضات الإخوة، ولم تهتز لها شعرة حين هددها الزوج بأخذ الأولاد وحرمانها منهم، لأنها تعرف أنه لن يتحمل رعايتهم وسيعيدهم لها بعد يوم أو أسبوع على أسوأ حال، وهي لا تصدق المثل المشهور: «ظل رجل ولا ظل حيطة»، فهي ليس لديها مشكلة في أن تمشي تحت الشمس وهي تثق بالحائط أكثر من ثقتها بابن عمها الذي عاشرته سنين، ولأنها تعرف في داخلها ما تريد فقد صمدت وصممت على الحصول على الطلاق. وكان لها ما أرادت، وهاهي تواجه الحياة بدون ظل رجل، لكنها أخذت على عاتقها أن تربي أبناءها بدون أن تحتاج لأحد سواء أكان هذا الأحد زوجا ظالما أو أخا متخاذلا. أم حسن وكثيرات مثلها يستحقون الاحترام، واعذروني لتعصبي لبنات جنسي. العنوان البريدي ص.ب 8913 الرياض 11492