اليوم سنتكلم عن السيدة «ص»! واضح جداً أن دروس الرياضيات المكثفة التي أخذتها في صغري مازالت بقاياها معشعشة في مخي! ما علينا، قلت لكم سنتحدث عن السيدة «ص» التي تعمل مدرسة براتب جيد وهي في بداية الثلاثينات من عمرها، مطلقة ولديها ابنة واحدة ترعاها وتتركها في الصيف تجوب البلاد مع والدها وزوجته الثانية واخوتها من أبيها. طلاق السيدة «ص» يشكل علامة استفهام في العائلة، فهي وزوجها السابق - ابن خالتها - لم يتحدثا أبداً عن أسباب الطلاق والذي حدث فجأة بعد خمس سنوات زواج تبدو في عيون الآخرين سنوات هانئة وسعيدة، وهما أيضاً على وفاق كامل فيما يتعلق بالابنة ونفقتها ومكان سكنها وكيفية رعايتها وغير ذلك من الأمور التي تكون دائماً محل نقاش ومصدر مشاكل للمطلقين والمطلقات، بل حتى إخوتها وأمها لا يعرفون أسباب عودتها لمنزل أبيها ذات مغرب وبقائها فيه. والسيدة «ص» امرأة سعيدة لا تفارقها البسمة، وهي واعية جداً للضغوط الاجتماعية التي قد تتعرض لها من هي في مثل حالتها، لذلك تعاملت مع كل من حولها بطريقة ذكية جاعلة نصب عينيها هدفاً واحداً فقط هو سعادة ابنتها، ورغم عرض زوجها لها ان تبقى في منزلها مع ابنتها بدلاً من العودة لمنزل أبيها إلا أنها فضلت أن تكون مع والدتها وقريبة من اخوتها، ربما يكون ذلك لرغبة في أن تشعر بالأمان وربما تكون هناك أسباب أجهلها أنا وأنتم لكننا قد نخمن وقد نفشل في تخميناتنا فلا احد منا يستطيع ان يدعي انه يعرف خبايا النفوس! مشكلة السيدة «ص» هي تعامل أخوتها معها وكأنها جماد ليس لها مشاعر ولا أحاسيس ولا يحتاج لفترة راحة، فالسيدة «ص» ومنذ انتقالها الى منزل الوالد الذي تعيش فيه مع والدتها أصبحت مسؤولة مادياً عن كل شيء في المنزل. ومسؤولة معنوياً عن «الوالدة» المريضة التي تحتاج لرعاية وانتقال للمستشفى بين وقت وآخر، وكأنهم كانوا ينتظرون طلاقها وعودتها للمنزل حتى تزيل عنهم عبئاً ثقيلاً، ومنذ متى كانت الأم التي حملت وربت وعانت عبئاً ثقيلاً؟ هذا هو السؤال الذي يدور في ذهنها حين تواجه نظراتهم المتهربة عندما تحتاج لنقل والدتها للطوارئ! وهم يعتقدون ان من واجبها هي فقط رعاية الوالدة ورعاية المنزل، أما هم فإنهم مشغولون بأنفسهم وحياتهم. رغم أنهم يعيشون في نفس الحارة ولا يفصلهم عن البيت الكبير سوى شارع أو جدار! السيدة «ص» تحب احياناً في الصيف ان تنتقل إلى مدينة اخرى يسكنها بعض الأقارب وتنتقل لها بعض الصديقات، وتحب أحياناً ان تقوم برحلة داخلية لمدينة قريبة كي ترفه عن والدتها حين تضيق بالوالدة الدنيا في فترة الصيف، لكن المشكلة هي أين تسكن؟ وكيف تستأجر حجرة في فندق أو شقة، بدون وجود رجل! فهي جزء من مجتمع لا يثق إلا بالرجال! لذلك هي تحت رحمة الأخوة المشغولين بأنفسهم وحياتهم والذين لم يفكر واحد منهم ان يراعي الوالدة ويأخذها ولو حتى لمطعم في آخر الشارع أو في رحلة على شواطئ البحر في آخر الأسبوع! والإخوة وحتى الأخوات المتزوجات لا يفكرون فيها ولا في والدتها إلا عندما تأتي زيارات آخر الأسبوع أوعندما يحبون أن يرموا الأولاد ليقوموا بمشوار! السيدة «ص» تجيد التحاليل وتجيد التعامل مع المواقف السريالية بطريقة سريالية، لذلك. هي تأخذ ابن أخيها المراهق والذي يريد ان يبتعد قدر المستطاع عن والديه كي تتمكن من القيام بهذه الرحلات الداخلية وكي يتمكن هو من التنفس ويستمتع بالدلال الذي تمنحه له جدته وعمته، وأحياناً تسكن هي ووالدتها عند هذه القريبة أو تلك اللواتي يقمن برد الزيارة في إجازة رمضان أو الحج ويقمن بالسكن عندها هي ووالدتها، وهكذا تمشي حياة السيدة «ص» وأم السيدة «ص». وهذه أيضاً قصة خيالية حتماً لا علاقة لها بالواقع! العنوان البريدي: ص. ب 8913 الرياض 11492