سببت جملة "ما فينا صبر" كثيراً من المآسي والمتاعب، وكانت عاملاً في فوات الخير، وللأسف أنّها أصبحت كلمة دارجة على ألسنة الكثيرين، وتطبق في غير موقعها، ويتناسى من يرددونها أنّ التحلي بالصبر من أعظم الفضائل، وأنّ الإنسان متى ما تحلى بالصبر أفلح، ولكن للأسف نراهم يهدرون الأوقات من دون اكتراث، وفي مواضع تتطلب الاستعجال، وبالمقابل لا يعون أنّ الله مع الصابرين، لأنّه سبحانه يقول: (استعينوا بالصبر والصلاة إنّ الله مع الصابرين) وقد قال الشاعر: ألا بالصبر تبلغ ما تريدُ وبالتقوى يلين لك الحديد حوادث مميتة وكشف "محمد السهلي" أنّه كان شاهد عيان للكثير من الحوادث التي تقع على الطريق الدائري الغربي، إذ يشهد الكثير من الحوادث اليومية، مضيفاً: "رأيت الكثير من المآسي والحوادث المميتة والقاتلة التي وقعت أمام ناظري بسبب عدم الصبر، بحكم عملي في نقل السيارات منذ سنوات، فهناك يومياً من خمسة إلى سبعة حوادث، بعضها فضيع ومميت، والسبب أنّ أصحابها كما يروون لي (ما فيهم صبر)". حبس النفس وقال "د. محمد بن إبراهيم الحمد" عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم: الحديث عن الصبر ذو شجون، فهو يبدأ ولا ينتهي، سواء عن فضله، أو أنواعه، أو منزلته، أو ثمراته، والكلام على الصبر هنا أشبه ما يكون بالإشارات التي تدور حوله، والتي قد يغفل عنها في شأنه، فالصبر في أيسر تعريفاته هو: حبس النفس عن شيء تحبه، أو حبسها عن شيء تكرهه، ويدخل تحت هذا التعريفِ: الصبرُ على طاعة الله، والصبرُ عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، ويدخل تحت ذلك من أفراد الصبر ما لا يحصى، ولا ريب أن الصبر ملاك الفضائل". ضروب الصبر وأضاف "د. الحمد": "إنّ الارتياض بالأخلاق الحميدة كما يقول ابن عاشور لا يخلو من حمل المرء نفسه على مخالفة شهوات كثيرة، ففي مخالفتها تعب يقتضي الصبر عليه، حتى تكون مكارم الأخلاق مَلَكَةً لمن راض نفسه عليها، ثم إنّ الفضائل تنبعث عن مكارمِ الخلالِ، والمكارمُ راجعةٌ إلى قوة الإرادة، وكبحِ زمام النفس عن الإسامة في شهواتها عما لا يفيد كمالاً، أو عما يورث نقصاناً، فما التحلم، والتعلم، والتقوى، والشجاعة، والعدل، والعفة، والكرم ونحوها إلاّ من ضروب الصبر، وأنت إذا تأملت وجدت أصل التدين والإيمان من ضروب الصبر؛ فإن فيه مخالفة النفس هواها ومألوفها". د. محمد الحمد أثر كبير وأشار "د. الحمد" إلى أنّ الإيمان شكر وصبر، والقرآن الكريم حافل بذكر الصبر، ذلك الخلقُ العظيم الذي أمر الله به، وأعلى مناره، وأكثر من ذكره في كتابه، وأثنى على أهلِه القائمين به، ووعدهم بالأجر الجزيل عنده، حيث قال تعالى: (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "ومن يتصبّر يصبّره الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءً أعظمَ ولا أوسعَ من الصبر"، فإذا تحلى الإنسان بالصبر كان جديراً بأن يفلح في حياته، وأن يقدِّمَ الخيرَ العميمَ لأمته، ويتركَ فيها الأثرَ الكبيرَ، وإن عَطُل من الصبر فما أسرعَ خورَه، وما أقل أثرَه. التفاوت في الصبر ولفت "د. الحمد" إلى أنّ من غرائب الصبر، وأحوال الناس فيه أنهم متفاوتون في شأنه؛ فمنهم من يصبر على آلام الجسد، ولا يصبر على آلام النفس، والعكس، ومنهم من يصبر على كبار الأمور، ولا يصبر على توافهها وسفاسفها. ومنهم من يصبر على البحث والقراءة، ولا يطيق الصبر على أدنى عمل يكلف به، ومنهم من يركب الأخطار، ويسافر إلى أبعد الديار غير مكترث ولا عابئ، وفي الوقت نفسه لا يطيق أن يجلس دقائق معدودة لقراءة صفحات فضلاً عن تحرير بحث، ومنهم من يصبر مدة طويلة في انتظار أمر من الأمور ولا يكاد يطيق انتظار دقيقة واحدة عند صرافة النقود، أو إشارة المرور، ومن الناس من يصبر على الوَحدة الطويلة والعزلة، ولا يكاد يطيق رؤية أحد من الناس. وقال التفاوت بين الناس حاصل مشاهد؛ لذا فإنه يجدر بالإنسان أن يعرف طبيعته، وأن يتعامل معها بهذا المقتضى؛ فإذا فُتح عليه باب من أبواب الصبر، فصار يطيق بعض الأمور دون كلفة أو مشقة فليحمدِ الله على ذلك، ولْيَسعَ سَعْيَه في تحصيل أبواب أخرى من الصبر، فالصبر يحصل بالتمرين، والممارسة و"إنما الحلم بالتحلم"، "ومن يتصبر يصبره الله"، مبيّناً أنّ التفكرُ في العواقب ومصاحبةُ الصابرين مما يعين على اكتسابِ الصبر. خالد الحسينان استعجال الرزق ورأى "خالد بن راشد الحسينان" مدير المسؤولية الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم أنّ هناك من يستعجلون رزقهم، حيث إنّ الكثير من الناس يسمع بمقولة "الصبر مفتاح الفرج"، لكن قليلاً من يطبقوها، مضيفاً: "الحقيقة التي لابد من التسليم بها هي أنّ الصبر ليس بالأمر الهين، إلاّ على من يسره الله له، لذا فإنني أعزو قلة الصبر، وحب العجلة، وانتشارهما بين الناس إلى عدة أسباب: ضعف التوكل على الله - عزّ وجل -، وتسارع وتيرة المجريات والأحداث اليومية، كما لم يعد الآباء والأمهات يستخدمون أساليب تعود الأبناء على الصبر أو حرمانهم؛ مما يشتهون عند ارتكاب الخطأ، حب التنافس على أمور الدنيا بين الناس حتى وإن كان على أتفه الأسباب وأهونه". ونوّه بأنّ توفر وسائل السرعة من أسباب غياب الصبر، إلى جانب ضعف وقلة الثقة بين الناس، حيث أصبح ذلك مدعاةً لعدم الصبر، مع كثرة تناقل الشائعات والأخبار السلبية؛ مما جعل البعض يستعجل؛ مخافة أن يصبر فيقع في مشكلة ما، بسبب طول الانتظار وتزايد مدته. التذرع بالصبر وتساءلت "د. عبير فاروق أكبر" نائب رئيس قسم الجودة الشاملة بمستشفى الصحة النفسية بجدة: لماذا نتسرع دائماً؟ فاتحاذ القرار لابد أن يكون مبني على عدة أسس، تبدأ من دراسة كافة الجوانب المتعلقة بالقرار، ومدى ملاءمته للموقف، وإمكانية الحصول على نتائج إيجابية منه، إلى جانب تماشيه مع باقي القرارات الأخرى، مثل: التأقلم مع العادات والتقاليد وغيرها من المؤثرات المجتمعية، مستشهدةً بالحكمة التي تقول: (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة). وأوضحت أنّ الحياة مستمرة ومتتالية بشكل يجعلنا نبحث في أنفسنا عن استمراريتها، وما يجب علينا أن نفعل قبل أن نتسرع في الأمور، مضيفةً: "يجب أن لا نتسرع وأن نتذرع بالصبر، وأن نأخذ برأي غيرنا، فكم من قرار ندمنا عليه، وكم من قرار كان ايجابياً بسبب التروي وعدم التسرع، وعلينا أن نضع أنفسنا موضع غيرنا قبل اتخاذ القرار، وكم من أحداث حصلت بسبب أننا تعجلنا، وكم تمنينا أننا غيرنا سلوكنا بالتأني؛ لأنّ سبب تعجلنا أنتج نتائج غير مرضية لنا، إننا نحتاج دائماً للتأني". محمد السهلي الاستعجال من أسباب الحوادث المرورية صبر من يقف خلفك عند الصرّاف الآلي ينفد بسرعة