حتى لا نفقد حواسنا وتركيزنا على المضامين المتعلقة بحياتنا، ومنها الإسلام كدين وعقيدة، هل يمكن جعله قضية تدرج في بند الإدانة لمحاكمته عالمياً، وفي كل بلد، ويطلق الحكم بأنه عنصر إرهاب وتعطيل للعقل وبث العداوات، ومحاربة الحضارات؟ دائرة الإرهابيين تتسع من خلال إسلامها الخاص، وفي أديان العالم، وقومياته وأحزابه، وتجمعاته القبلية، لابد من وجود خلل وسط هذه المجاميع تجعل مبرر التعبير بالعنف أو بالوسائل المقاربة له، كالعنصرية، والفئوية، والتمايز البشري، ما يجعل بروز هذه القوى سهلاً يتسع انتشارها وفقاً للظرف التاريخي، والواقع السياسي لأي منظومة ما.. التخويف من الإسلام لم يعد شأناً دولياً تقرؤه السياسات بمنظار مصالحها، وأهدافها لتحدد الرؤية التي تحكم بها على الأشياء من خلال ما تقره وترفضه تبعاً لتلك المصالح، إذ أن الإسلاميين أنفسهم صاروا يخيفون العالم من أن أي انتخابات في بلد إسلامي سوف تسيطر عليها عناصر الإرهاب، وأي مؤسسة اجتماعية تنتهج عملاً إنسانياً بإعانات عينية أو مادية ينبت في تكوينها عنصر التطرف، وأي بلد لا يدخل المنظومة الدولية من خلال تبني آراء وأفكار الحضارة الغربية، وأفكارها، وأساليب إدارتها السياسية، ونماذجها في القضاء، وصياغة الدساتير، هي دولة تقترب من تبني آراء الإسلام المتشدد، أو الإرهابي، أو تترك للقوى السرية أن تسيطر من خلال البيئة العامة والتي ينشط فيها الإسلاميون، بالمدرسة، والوظيفة، والمسجد، ومراكز التجمع المختلفة.. إذا افترضنا أن الإسلام ضمير المسلمين، عايش الحضارات وتكافأ معها وأضاف إليها، وجاءت مراحل (تدروشه) وانهزم، وأصبح ظلاً للزعيم، والمستعمر يدعى له بالمساجد بطول العمر والتوفيق، ثم كانت تحولاته الراهنة، عندما خاب الأمل بجميع الطروحات التي رافقتنا نصف قرن ليضع نفسه المعادل الموضوعي، والبديل، وكأي فكر ينشأ من أيدلوجية مادية، أو دعوة دينية، لابد أن تبرز التناقضات من خلال قطاعات كبيرة من المفكرين، وهنا حدث التمايز بين فكر متطرف يقود العمليات الإرهابية، والفكر الوسطي، والنموذجي الذي لا يفصل بين مصلحة الإنسان وجملة مقومات حياته في صيانة حقوقه، وحقوق الآخرين، ولعل الذين يقدمون الدعوات بالإنسلاخ عن الدين، أو فصله نهائياً عن الحياة العامة، يحملون نفس بذور التطرف باتجاه آخر، ويشتركون عملياً مع المتطرفين على خلق مجتمعات تسود فيها الفوضى والحروب الداخلية، والدعوة الصحيحة أن نجد الحل في بنية هذا الفكر لا الصراع معه، أو توظيفه لصالح الإرهاب المنظم..