الاستقلال الفكري قيمة قد لا يعرفها البعض إلاّ وقت المواقف العصيبة والقرارات المفصليّة. من كان تابعاً لغيره ولم يعتد على استقلال فكره وذاتيّة قراراته قد يواجه الخيبات والمآزق في حياته. حتى يمكن معرفة حجم التبعيّة الفكرية وأسر العقول في مجتمعنا يكفي متابعة ما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي الاليكترونية وخصوصاً "تويتر" إذ ما أن يطرح "متبوع" له جماهيره ومؤيدوه مقولة أو رأياً أو فتوى إلاّ ويهرول الأتباع في تأييده والثناء عليه وتداول رؤيته دون أدنى تمحيص أو تفكير وفي نفس الوقت لا يقبلون أيّ حوار أو نقاش حولها. يكفي أن يكون " فلان " هو القائل؟ التبعيّة "Dependency" نمط سلوكي قد ينشأ عن فرط إعجاب بفردِ كمغنٍ أو مُغنيّة أو واعظ ديني أو منظّمه أو زعيم سياسي أو حتى فريق كرة قدم، فيقوم المُعجب المأخوذ بمتابعة نجمه المحبوب وفريقه المفضّل وزعيمه محط إعجابه ويسعى بكل جهده إلى إقناع غيره بالإعجاب والانضمام إلى الجماهير المُشجّعة. الأتباعُ كما رأيتهم في تويتر لا يخرجون عن ثلاثة أولهم ذلك الذي يُدرك تبعيته ولماذا، أما الثاني فهو ساذج مُقلّد رأى غيره مثلاً يُشجّع فريق برشلونة فأصبح برشلونياً، يقول الناس عن فلان بأنه "لحية غانمة" فيردد "لحية غانمة.. لحية غانمة أو أنه " ليبرالي فيردد: (ليبرالي ..ليبرالي) وهكذا يُردد رفيقه ورفيق رفيقه وجيران رفيقه إلى آخره. أما الثالث فهو الخبيث المُخبَث لا في العير ولا في النفير يُظهر بأنه من قطيع الأتباع لكنه في حقيقتهِ نافخ للنار تراه ينتقي من الحكايات أو الأحاديث ما هو سريع الاشتعال فيذكي فيها النار حتى تستعر. هذا الخبيث في بعض الحالات قد يكون أذكى من شيخه وكل أتباعه فهو ميكافيليّ التوجّه والمقصد. قد يُصنّف الغوغاء ضمن التابعين السُذّج وهؤلاء يتميزون بكثرة الجَلَبَةْ والضوضاء لهذا سُمّيتْ أسراب الجراد حين تخف بالطيران بالغوغاء. يقول عنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه " هُم الذين إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرّقوا لم يُعرَفوا "..! ولهذا يكفيهم موعظة من رمزهم حتى يكثر لغطهم حولها وتُسمع جَلَبتهم وإذا ذهب كل منهم في حال سبيله لا تسمع لهم من باقية. يقول غوستاف لو بون في كتابه سيكولوجية الجماهير " لما كانت الأفكار تستعصي على الجماهير إذا لم تتّخذ هيئة بسيطة جداً فإنه ينبغي لكي تُصبح شعبية أن تتعرّض لتحويلٍ كامل وبمجرّد أن تتوصل فكرة تبسيطيّة إلى الجماهير وتقدر على تحريكها فإنها تُصبح مُعرّاة من كُل ما صنع رفعتها وعظمتها. على أيّ حال.. أتى الآن دور السؤال.. عن حال التابع غير المستقل بفكرهِ ورأيه هل يُمكن أن يتوقف في يومٍ ما عن ركضه وراء صنمه ويبدأ في التفتّيش عن عقله الذي ركنه خارج الخِدمة؟