ما الذي يجعل أشخاصا أكثر قدرة على المواجهة وتحدي الظروف بينما يتخوف آخرون من المجابهة ويتجنبون المخاطر ولا يبرحون مواقعهم، ولا يعني ذلك بالضرورة أنهم لا يريدون أن تتغير الظروف إلى الأحسن أو أنهم لايعرفون الصحيح من الخطأ، ولكنهم ببساطة لا يمتلكون الشجاعة لاتخاذ الخطوات التي تقودهم لما يريدون. هذه الفئة من الناس تتخذ موقفين من النوع الأول: إما أن تقر بخوفها وتشيد بشجاعة الطرف الآخر وإقدامه، أو ترميه بالتهور والحماقة وقصر النظر. الشجاعة صفة نحتاجها في كل أمور حياتنا وعلى كل المستويات تبدأ بالرأي وتنتهي بالفعل وتحمل مايترتب عليهما، وقد يظن الكثير أن الشجاع لا يخاف والحقيقة أنه يخاف ويدرك الصعوبات التي قد تقابله ونتائجها ولكنه يستطيع التعامل مع خوفه بما يملكه من ثقة في نفسه وقدراته. هناك نوع آخر من الأشخاص يمكن أن يوصفوا بالجبن والمشكلة ليست في جبنهم فقط ولكنها في تناقضاتهم وازدواجيتهم، وفي طريقة تعاملهم مع الطموحين إلى التغيير والقادرين على إحداث الفرق في حياتهم وحياة الآخرين قولا وفعلا مهما كلفهم الأمر، ويمكن أن ينطبق عليهم قول المتنبي: يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم وهم دائماً في حالة هجوم وانتقاد، وكأن انتقاصهم لهؤلاء وتقليل قدرهم يشعرهم بأنهم أفضل خصوصاً مع شعورهم في أعماقهم بالعجز عن فعل شيء ما رغم تبرمهم وكثرة تذمرهم من الواقع، فهم من النوع الذين يريد "لقيان المعالي رخيصة " دون وخز إبر النحل، مع أنهم أول من يحاول قطف ثمار جهود الآخرين ويستفيد من تضحياتهم! في حياتنا اليومية يمكن أن يتعرض كل شخص لمواقف فيها اختبار لقدرته على التمسك أوالدفاع عن مبدأ أو قرار أو عمل وهنا تبرز الفروق، وقد لمست على مدى السنين كيف يمكن أن يجبن أشخاص عن قول كلمة حق، أوتقديم عون، أو توضيح أمر، رغم أن ذلك لن يكلفهم الكثير فكيف لو كان الأمر أصعب؟ بل إن هناك من يكذب ويبرر ويخفي معلومات لمجرد أن ينجو بنفسه! لاشك أن صفة الشجاعة لها علاقة بخلفية الإنسان والبيئة التي تربى فيها فهو نتاج بيته وأسرته، ولا يتوقع من أبناء عاشوا الحرمان بكل أنواعه، أو جبلوا على الخوف والكذب والمداهنة أن يكتسبوا هذه الفضيلة. في النهاية ستظل الحياة تحوي الخائفين المترددين والشجعان المبادرين، فليس الكل سواء وإلا كيف يتمايز البشر وتتنوع المجتمعات وتتقدم الأمم؟