لا تقل يوما من الأيام: هذه ليست مشكلتي، فقد تكون أنت أول ضحاياها. من جرب الحياة علم أن المشكلات والأضرار لا يمكن تقنينها وتحديد مساراتها ومواقعها وضحاياها، وأدرك أن ما يخشاه المرء قد لا يصيبه وأن ما كان آمنا منه يكون سببا في هلكته. لا تخفى عليكم قصة الفأر والمصيدة، إنها قصة مشهورة، ومعروفة لسهولة عرضها بكل قلم وفهم وصياغتها بكل أسلوب، فهي لا تحتمل كثيرا من التفاصيل، قد تهدف إلى التحذير من استصغار المشكلات وقد يكون هدفها هذا التحذير: لا تأمن المفاجآت والتحولات. وقد تشمل أهدافها كل ما يجري علينا في هذه الحياة، وأما المستهدف منها فهو كلنا على مستوى الفرد وكذا الجماعة بل والدول والعالم. بدأت مشكلة الفأر بالتفاؤل والأمل ثم مرت بالجزع وانتهت بالسلامة من الخطر، في حين أنه المستهدف ولكن النتائج لا تأتي دوما وفق المتوقع والخطط. قصة الفار والمصيدة: أن الفأر كان يوما يرقب صاحب المزرعة والدار، لعله يحضر معه شيئا من السوق قد اشتراه، من الكعك والخبز فيكون للفأر وأولاده نصيب من ذلك الطعام اللذيذ، فقد مل من حبوب المزرعة ومزروعاتها المتكررة. وظن الفأر أنه قد جاء ما تمناه عندما دخل الرجل يحمل صندوقا توقع أنه يحوي ما لذ وطاب من الخبز والأجبان والكعك. للأسف إنها أمنية لكنها لم تتحقق فبعد أن فتح الرجل الصندوق أخرج منه مصيدة للفئران، إنها بالنسبة للفأر صاعقة. مصيبة حلت بالفأر من أول النهار، لابد أنه هالك أو أحد أفراد أسرته أو زوجته المسكينة التي تتجول يوميا في المزرعة والدار تقرض هذا أو ذاك في أمن وأمان، ولا بد أن المصيدة سوف تخنقها اليوم أو غداً. حذر الفأر جميع أفراد أسرته من المصيدة وأخبرهم عن مكانها حيث تأكد له أن الرجل عازم على القضاء عليه وعلى كل أسرته وأقاربه. قام الفأر بمساعيه العاجلة من أجل اتقاء الخطر والبحث عن تدابير تقي الجميع من شر المصيدة، يريد المساعدة له شخصيا فهو في ورطة فالمصيدة أصلا مخصصة للفئران ولن تصيد أيا ممن حوله من الدجاجة أو الخروف أو البقرة أو غيرها، ويأمل في مساعدة عاجلة بالرأي والمشورة والعمل الجاد. زار الدجاجة في ركنها الهادئ وعرض عليها مشكلته مع المصيدة التي زرعت في محيط تنقلاته وأولاده، لكنها تلقت العرض بكل برود منشغلة بتنظيف ريش جناحيها وإصلاح مكان نومها، وأكدت للفأر أن تلك مشكلته التي تخصه هو، وهذا الأمر لا يعنيها كثيرا، فلن تصيد الدجاج ولن توضع أصلا في أماكن تواجدها. ثم توجه الفأر بعد هذا الرد المخيب لأمله إلى زيارة البقرة في سلسلة المساعي الرامية إلى منع الخطر عنه، لكنها أكدت بأن المشكلة تلك لا تخصها ولن تخصها بل هي مشكلة الفأر وحده وأوصدت الأبواب في وجهه، بل قالت بالحرف الواحد، ليتنا نستريح منك إن صادتك اليوم قبل غد أيها الفأر المخرب كم أنت مؤذ، ثم التفتت إلى حياتها ومشكلاتها وحدها، ولم ييأس الفأر من وجود من يسانده فتوجه إلى الخروف، ولكن الرد كان مماثلا لرد البقرة والدجاجة، إنها مشكلتك أيها الفأر، ثم عاد مخيبة آماله فيمن حوله متكسرة مجاديفه، لكنه التفت إلى مشكلته، وعمل بجد على أن يأخذ كل ما وسعه من احتياط للمصيدة التي ما تركت في قلبه مساحة للشعور بالأمن وحذر منها أولاده وامرأته وبقي ساهرا يتوجس خطر المصيدة. وفي الليلة الظلماء وعتمتها حيث لا نور سراج ولا قمر سمع صوتاً مفزعاً، إنه صوت المصيدة قد أطبقت على شيء مر حولها، ربما تناول الطعم الذي وضع فيها، وسارعت امرأة الرجل ربة البيت نحو المصيدة لكي تعلن موت الفأر أو أحد أفراد أسرته كما تظن، تريد زف البشرى لزوجها بنجاح مساعيه في مسألة صيد الفئران، ولكن الذي وقع في المصيدة ليس الفأر بل ثعبان بقي رأسه متحركا هنا وهناك أما بقية جسده فمطوي على المصيدة، وفي غفلة وعجلة من المرأة مدت يدها نحوها فلدغها الثعبان لدغة ضخ السم في جسدها، فكانت أول خيوط المشاكل المتناثرة هنا وهناك، وأول قوارب النجاة للفأر. نقلت المرأة إلى المستشفى، ولكن الطبيب طمأن الجميع على حالتها وأن قليلا من السوائل وشوربة الدجاج كفيلة بتخفيف الآلام وتسارع الشفاء. فتح باب أول حظيرة وهو باب الدجاجة، فأخذت وذبحت لكي تكون شوربة شهية للمرأة. وفي اليوم التالي ساءت حالة المرأة ولم تتماثل للشفاء كما يعتقد الطبيب، وبدأ الزائرون للمريضة يتوافدون، فقال الرجل لولده: اذبح لنا خروفا نكرم ضيوفنا به، وفعلا فتح باب الحظيرة ثانية وذبح الخروف فكان وجبة شهية وسط النهار. وفي اليوم الثالث ماتت المرأة جراء السم، فجاء المعزون بأعداد كثيرة، فكان لا بد من تقديم طعام يكفي الموجودين ففتح باب الحظيرة للمرة الأخيرة وذبحت البقرة ليقسم لحمها على عدد من الأطباق. وأخذت المصيدة المشؤومة فكسرت وتم التخلص منها. ونجا الفأر رغم أن المشكلة تخصه وحده في بداية الأمر، وهلك الجميع الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تلك المشكلة التي لاحت في الأفق على أنها صغيرة لا تعنيهم في شيء. ليست كل مشكلة تخصنا نحيط بنا تنال منا أو تهلكنا، كما أنه لا يعني كون المشكلة بعيدة ولا تعنينا أننا في منجاة وسلامة منها، ومعظم النار من مستصغر الشرر.