كل الأوطان غالية عند أهلها لكن الرابط بينها وبين سكانها أنهم ولدوا فيها وعاشوا على أرضها ورزقهم من خيراتها، لكن وطننا المملكة تختلف عن كل بقاع الأرض كونها تزيد على ما في تلك الأوطان أنها تضم قبلة المسلمين، وحمايتها تحمل معاني كثيرة وقدسية خاصة لا مثيل لها في بلدان أخرى، فالعلاقة دينية ودنيوية مع بعضها، وهذه ميزة ترقى فوق كلمة الوطنية التي ينادي بها كل أهل بلد، إذ لا يمكن التفريط في أرض تضم المقدسات، وأهلها شرف لهم خدمة ضيوف الرحمن وزوار بيته يتقربون بكل هذا إلى الله. إن التعبير عن حب مثل هذا الوطن جاء دعاء وإحساساً وشعوراً وابتسامات وسعادة وفرحاً وجاء نثراً وشعراً . وقصائد الوطن وحماية الأرض والفخر والمديح وحبها جاءت أيضا متعددة كثيرة معبرة، فلكل شاعر حق التعبير وقد استمتع بحقه وأجاد في تناوله، ولكل مجتمع وأرض شعراؤها، والقصائد التي تقال فيها، ولكن التميز يأتي في مضامين الشمول في الهدف لا الحصر في زاوية من العالم ضيقة، ولهذا نقتصر على بعض قصائد عبر شعرائها عن ذلك الاهتمام وحملوا هم أوطانهم، وتعانقوا مع الشدائد قبل ظهور شمس توحيدها واستقرارها وزوال الخطر منها وعاصروا مرارة الأيام وأملوا في انفراجها وتاقوا إلى ازدهارها يقول الإمام تركي بن عبد الله، وهو يسطر لنا أبيات قصيدة تمتلئ بالإحساس والشعور الوطني منها قوله: واحصنت نجدٍ عقب ما هي تطرى مصيونة عن حر لفح المذاري والشرع فيها قد مشى واستمرى يقرا بنا درس الضحى كل قاري وزال الهوى والغبن عنها وفرى ويقضي بنا القاضي بليا مصاري ولا سلت عن من قال لي لا تزرى حطيت الأجرب لي خويٍ مباري نعم الصديق ليا صطا هم جرى يودع مناعير النشاما حباري إن وطنيتنا وكذا وطنية وانتماء أجدادنا تغذت من نبع المصداقية بشكل تلقائي وارتوت من حب الولاء للأرض والمجتمع، باعتبار الأرض تضم المقدسات والمجتمع مسلم وإلا فالأوطان كثر والبلدان عديدة متشابهة وفيرة الأرزاق تتعاقب فيها المنافع. الوطنية لدينا خاصة عناصر متلاحمة ومتشابكة من المنافع والذكريات والنشأة لا ينفك بعضها عن بعض وكلها تؤدي في النهاية إلى ما يمكن تسميته الولاء والمحبة يعبر عنها أحيانا بالوطنية. ويتمثل هذا في المحبة المتبادلة بين الأفراد وحرصهم على رفع مكانة بلادهم المملكة قبلة المسلمين وحامية الدين، من خلال سلوكهم وعطاءاتهم وتضحياتهم من أجلها، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، ومحاولة اجتماع الشمل ووحدة الصف ونبذ الفرقة. إن وطنيتنا تختلف جذريا عن غيرها كونها دين وعقيدة وتصديق وذودا عن حمى له أهميته الدينية والكل يعتز بمثل هذا الولاء والانتماء، ولا تشابه ادعاءات أو أهداف الوطنية في البلدان الأخرى. لقد قامت بلادنا على مبدأ وهدف يتجسد في إعزاز الدين ونشره وتخليصه من كل ما يشوبه مما ظهر من بدع لطول المدة وغفلة الكثيرين في أيام الجوع والانزواء والعزلة، وقد كان لاتفاق الدرعية عام 1157ه بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب أثره البالغ في الانطلاقة التي شقت طريقها وانتصرت واعتزت بالإسلام ونشره في كل المحيط بها. ونعلم بعد ذلك ما حل في البلاد من قلاقل ومشكلات وفوضى، لكنها ولله الحمد انتهت إلى انبلاج صبح جديد من خلال الوحدة الوطنية التي كرم الله بها الملك عبد العزيز وتمت على يده، فكان قائداً للمسيرة التي انطلقت من الرياض كعاصمة قديمة تجددت عام 1319ه. ومنذ ذلك الوقت ضرب الاستقرار والأمن بعنقه مستريحاً في هذه الأرض وبين المجتمع الذي أخذ في طريق البناء بعد أن أمنت السبل وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم واتجهوا إلى أنشطتهم واستقر الوضع. فمن قصر الحكم بالرياض سمع نداء الاستقرار والوحدة العامة في أرجاء البلاد كلها وبين الحاكم والمحكوم وأن الجميع يد واحدة تتعاون من أجل وطن قوي لا يلتفت إلى مشكلات كانت وراءه ولكنه يستمد من السلف منارة هداية ويقتدي بصالح الأمة. الشاعر الأمير خالد الفيصل: لاح يوم الوطن والعز لاح وكلمة الله على البيرق تلوح يوم الاسلام يا يوم الفلاح والوطن كل روح له تروح يقول الشاعر مطر الروقي، في قصيدة طويلة نجتزئ منها بعض الأبيات وفى يوم الوطن ننظم من الشعر الفريد عقود من الدر النفيس ولولو المعنى ومرجانه يحق لنا الفخر لجل الوطن ولنا الوفا معهود نبى نظهر تعابير الفرح ونغنى ألحانه حتى قال: بعد ما كان سلب ونهب ظلم وطارد ومطرود طلع صقر الجزيرة وأمن الديرة من إيمانه وإذا كنا نتذكر تأسيس هذه البلاد ومراحل وحدتها وجذور نموها حتى صارت شجرة وارفة الظلال ننعم كلنا بها وطناً آمناً ندعو بإخلاص لكل من ساهم في تأسيس هذا الكيان وفداه بجهده وماله وروحه وتسلمناه نحن بعد تعبهم من أجلنا، فمن المهم أن ندرك جيداً أن التأسيس يتكرر مع الأيام ويحتاج إلى رعاية وعناية لا تقف تلك العناية عند حد، إذ التأسيس مهمة تتجدد مع الأيام من خلال المحافظة على الكيان الأول.