ناصر الحميضي نستطيع أن نقول ان الوطنية إحساس وعاطفة وانتماء يمزج بين حب المكان والمجتمع في مسيرة تاريخية طويلة لم تحدث فجأة أو تؤلف في يوم وليلة، إنها محصلة حياة للفرد والجماعات على طول زمن وليست أمرا طارئا يمكن تكوينه بدون أساس من العراقة والإرث المتعددة. إنها سلوك يعبر عن تلاحم وتلاق وانسجام بين كل مكونات الجغرافيا والإنسان عبر الزمن صار عاطفة وتحول إلى حب وقبول ومدت جذوره في التربة وارتوت من ينبوعه الصافي، فهي عناصر متلاحمة ومتشابكة من المنافع والذكريات والنشأة لا ينفك بعضها عن بعض وكلها تؤدي في النهاية إلى ما يمكن تسميته الولاء والمحبة يعبر عنها أحيانا بالوطنية. لهذا كله لا يمكن أن نمليها أو نعطيها أو نشتريها أو نوجدها دون مقوماتها ولا يمكن التعبير عنها بالكلمات أو تصب في الرؤوس عبر الخطب والمقالات لأنها شعور وإحساس وعشق وتقدير واحترام وعاطفة نمت وترعرعت في شرايين تدفقت بدماء الولاء، تربى المجتمع كله عليه ويظهر هذا الولاء في مواقف متعددة بحسب مثيراته ودواعيه، ويتمثل هذا في المحبة المتبادلة بين الأفراد وحرصهم على رفع مكانة بلادهم من خلال سلوكهم وعطاءاتهم وتضحياتهم من أجلها. تضحياتها بكل نفيس وتجنبهم كل رخيص خوفا على أرضهم وعرضهم وأمتهم. لقد كان لدى أجدادنا ولاء وانتماء ووطنية قوية حتى ولو لم يسموها وطنية، لكنهم يدركون جيدا أنهم جزء من أهلهم وبلادهم، وقد تمثل هذا الولاء في تعلقهم ومحبتهم في بلادهم وأهلها فتمسكوا ببعضهم والتفوا حول أنفسهم وانصهر أميرهم وكبيرهم وصغيره إلى درجة ذوبان الفوارق واختفاء التمايز وأحبوا كل سلوك يربطهم مع بعضهم حتى تأصلت فيهم الشهامة والنخوة المبنية على دين الإسلام لا نخوة جاهلية. وهذه الوطنية التي تأصلت في مجتمعنا المسلم وبلادنا السعودية وهي التي تضم قبلة العالم المسلم كله تتعدى الوطنية فيها مسألة الانتماء للأرض أيا كانت الأرض كما هي الحال في البلاد الأخرى ووطنيتهم، فوطنيتنا تختلف جذريا عن غيرها كونها دين عقيدة وتصديق وذودا عن حمى له أهميته الدينية والكل يعتز بمثل هذا الولاء والانتماء، ولا تشابه ادعاءات أو أهداف الوطنية في البلدان الأخرى التي أساسها واتجاهاتها تقوم على تربية مواطنها على الولاء لها فقط، إن حب هذه البلاد السعودية مزيج من الرسالة والإنسانية والتكليف وأن حماية هذه الأرض والمجتمع لا ينطلق من عصبية أو قبلية أو تمييز عنصري، ولكنه يرتكز على مبدأ رفيع ونبل ومصداقية في الولاء للدين وحب البلاد التي هي مهبط الوحي، ندافع عنها ونحميها ونرفع راية التوحيد ونبعدها عن مواطن الخلافات والاختلافات والفوضى حرص حكامها على ضبط المسيرة من خلال العلاقات الخارجية الرصينة الرزينة. نحفظها من خلال أنفسنا والارتقاء بها عن مواطن الشبه، ومن خلال تجنيبها زلات كثيرة قد تدخلها في صراعات تضر ولا تنفع، كما يلتف الجميع حول حاكمها الذي هو منها وهدفه رفعتها. لقد قامت بلادنا على مبدأ وهدف يتجسد في إعزاز الدين ونشره وتخليصه من كل ما يشوبه، وقد كان لاتفاق الدرعية عام 1157ه بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب أثره البالغ في الانطلاقة التي شقت طريقها منصورة واعتزت بالإسلام ونشره. ثم نعلم بعد ما ذلك ما حل من قلاقل ومشكلات انتهت إلى انبلاج صبح جديد من خلال الوحدة الوطنية التي كرم الله بها الملك عبد العزيز فكان قائدا للمسيرة التي انطلقت من الرياض كعاصمة قديمة تجددت عام 1319ه عندما أعلن أن الحكم لله ثم للملك عبد العزيز، ومن يومها ضرب الاستقرار والأمن بعنقه مستريحا في هذه الأرض وبين المجتمع الذي أخذ في طريق البناء بعد أن أمنت السبل واستقر الوضع. فمن قصر الحكم بالرياض سمع أول نداء للوحدة بين الحاكم والمحكوم وأن الجميع يد واحدة تتعاون من أجل وطن قوي لا يلتفت إلى مشكلات كانت وراءه ولكنه يستمد من السلف منارة هداية يقتدي بصالح الأمة. ولو عدنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا الرياض يوم أن بدأ الملك عبد العزيز في مسيرة التوحيد للمملكة مدينة صغيرة بل لا تتعدى حجم قرية تحيط بها المزارع. وبالتالي يعد مركزها مكان تجمع السكان ومقر إقامة عيدهم واحتفالاتهم لقرب الأطراف من المركز، وكان الفضاء المقابل لقصر الحكم والصفاة والمصمك وما يقابل جامع الإمام تركي بن عبدالله والمسمى سابقاً جامع الديرة هو المكان الوسط والذي يجسد مدينة الرياض بكل ماضيها وذكرياتها، وكان الاحتفال يقام هناك لميزات المكان وتوافقه مع كل شيء. الاحتفال الذي لا يقتصر على يوم بل يعد مراجعة لمسيرة كاملة. ولقد سجل أحد الشعراء من أهالي أشيقر ذكرى احتفال أهالي مدينة الرياض، في يوم عمت الفرحة، وهذا الشاعر ممن عاش ذكرى المدينة وتطورها بحكم عمله في التجارة كأحد تجار قيصرية أشيقر المقابلة للجامع والتي توزعت اليوم في أكثر من موقع. يقول الشاعر محمد بن حمد الوشمي: مرحباً بالعيد في وسط ميدان الصفاة بين قصر الحكم والجامع ودرب الإمام نحمد الله يوم وسط البلد كمل بناه عادة الديرة لوقت مضى من كم عام خطط المشروع سلمان قدر الله خطاه مجهد نفسه وماله ويسهر ما ينام كل صعب في المشاكل تسهل يوم جاه بحكمة وتفكير وأخلاق مع حسن الكلام كم يتيم وكم معاق ومشرد ما نساه يرجي الجنات ما هوب تعليق الوسام قادهم للخير عود عسى الجنة لقاه كلهم للشعب خير موده واحترام واسمحوا لي وان نقص شيء من غير معناه من ضميري قلتها والسلام إلكم ختام والشاعر الوشمي من مواليد أشيقر عام 1359ه تعلم في الكتاتيب ثم في التعليم النظامي وعمل في حقل التعليم ثم في التجارة وكان ممن يعمل في قيصرية أشيقر بالرياض. ويقول الشاعر سامي الويلي من قصيدة طويلة: ياديرة الإسلام والتوحيد والبيت الحرام ياقبلة وجيه العباد المومنه وآمالها انتي منار الحق في وقتٍ تغشاه الظلام يوم البشر في جهلها معتصمه بجهالها منك نبي الله ظهر للناس والشرع استقام ياشجرة الدين الحنيف اللي يظل ظْلالها واليوم في عز ورخا وبظل عالين المقام نقول عاشت مملكة عبدالله وعشنا لها ولراس ابو متعب تحايا روس شعبٍ ماتضام من حبه ان ميل عقاله ميلت بعقالها ولقلبه الصادق سلامٍ ما انذكر قبله سلام اطهر ملك لاطهر بلد تزهى له ويزهى لها خادم بيوت الله وحاميها الإمام ابن الإمام نجل الذي عانق جنوب المملكه بشمالها عبدالعزيز أعز واكرم من تعز بْه الكرام جاهد على اعظم مملكه بين الشعوب ونالها عساه للفردوس يارحمن يارب الانام يحشر مع خير العباد وينزل بمنزالها واليوم في صدر الشعر ياسيدي نفح الخزام حرّك معاليق المشاعر وانتثر همالها للديره اللي للمعالي في تدرج وانتظام لين أصبحت للعز موطن والوفا مدهالها ياكم قلط زوار بيت الله على طيب وسنام وياكم ديار ردت وجيه الفرح لاطفالها وقبل الختام وقبل لا المهره توصل للمرام من دلة سمان الحكا عديت لك فنجالها