التدين والالتزام وصفان يطلقان على كل مسلم إلا أنه يمكن أن يحصر في مفهوم أضيق من ذلك، فيراد به الانقياد التام لأوامر الله سبحانه وتعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ونواهيهما، وهذا المصطلح الأخير يطلق على فئة أو فئات من أفراد المجتمع المسلم حيث ينتشر أو ينحصر وجودهما من مجتمع لآخر، وقد يخالف بعضهم في نعت ووصف فئة دون أخرى بالتدين أو الالتزام إلا أن الجميع يتفق على أن التدين له جوهر ومظهر. وجوهر التدين هو الإيمان بكل ما أخبر به الله سبحانه وتعالى أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسم والإيمان كما عرف علماء الشريعة هو: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان وعمل بالجوارح فإذا اعتق القلب ونطق اللسان وانعكس ذلك على تصرفات العبد في عبادته للخالق جل وعلا ومعاملته للمخلوقين فهذا هو لب التدين وجوهره. وأما المظهر في التدين فهو الالتزام بالهندام والسمت الشرعي سواء كان واجباً كإطلاق اللحية، وتقصير الثوب، أو كان مسنوناً كاستخدام السواك، ومع أهمية المظهر في ديننا الحنيف إلا أنه لا يشك أحد في أن جوهر الدين هو المقدم وهو المتصدر كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم). ومع اتفاقنا جميعاً على أهمية السمت والمظهر الشرعي للمسلم، فإننا نتفق أيضاً على عدم جواز الحكم على المسلمين من مظاهرهم سواء كان ذلك الحكم سلبياً أو إيجابياً، فلا يجوز تزكية أي شخص لمجرد مظهره، كما لا يجوز التطاول على أي مسلم أو وصفه بصفة سيئة، أو إساءة الظن به لمجرد مظهره الخارجي. وتتجلى المشكلة فيما يتعلق بتغليب المظهر على الجوهر في استغلال بعض ضعفاء النفوس الدين مطية لتحقيق مصالح دنيوية، فهؤلاء اختزلوا الدين في ظاهره وجعلوا من المظهر وسيلة للوصول إلى غايات لا تعود بالنفع إلا عليهم كامتهان الرقية الشرعية والمتاجرة بها، أو اتخاذ الدين طريقاً للدعاية والترويج في البيع والشراء، أو التستر بالدين للعمل في الجمعيات، أو المؤسسات الخيرية والاجتماعية، ونحن نعلم يقيناً أن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يشكلون نسبة تذكر، أو تحسب على أفراد أو جماعات المجتمع المسلم.