في دراسة علمية جديدة عن الخوارج ومنهجهم وتطوره وأضراره يبين الشيخ تركي العبدالكريم ان ظاهرة التكفير زلة عظيمة بدأها عبدالله بن ذي الخويصرة فهو الشرارة الأولى لهذه الطائفة وان الخوارج مستمرون إلى آخر الزمان فلابد من أخذ الحيطة والحذر منهم ومتابعتهم من العلماء بالارشاد والتوجيه ومن العامة بالإبلاغ عنهم. في البداية يوضح الشيخ تركي بن راشد بن محمد العبدالكريم خطيب جامع الشيخ عبدالعزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله بالرياض في دراسته عن الخوارج فيقول: الخوارج: هم الذين يكفرون بالمعاصي، ويخرجون على أئمة المسلمين وجماعتهم. ويشمل ذلك: الخوارج الأولين، ومن تفرع عنهم. كما يشمل اسم الخوارج كل من أخذ بأصولهم وسلك سبيلهم، كجماعات التكفير والهجرة في هذا العصر ونحوهم، وعلى هذا فإن الخوارج قد يخرجون في كل زمان، وسيظهرون في آخر الزمان، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج الأولين، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم كذلك عن المتأخرين، وانهم يخرجون في آخر الزمان، وقال صلى الله عليه وسلم: «سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة». وعن انبعاث المقولات الأولى للخوارج يقول: فتكلموا في تكفير أهل الذنوب من الأمة عموماً، فقالوا بأنهم كفار مخلدون في النار، وأحكامهم في الدنيا أحكام الكفار، ودارهم دار كفر، واستحلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم وقتالهم. قال شيخ الإسلام عن الخوارج: «وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب، بل بما يرونه من الذنوب، واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك». فلما حصل منهم ذلك اتفق الصحابة على انهم المعنيون في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، واتفقوا على وجوب قتالهم، قال شيخ الإسلام: «ولذلك اتفق على قتالهم الصحابة والأئمة». وقال: «فلما شاع في الأمة أمر الخوارج، تكلمت الصحابة فيهم، ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث فيهم، وبينوا ما في القرآن من الرد عليهم، وظهرت بدعتهم في العامة». قال الإمام أحمد: «صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه»، وقد خرجها مسلم في صحيحه، وخرج البخاري طائفة منها. وقال شيخ الإسلام: «والخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله». وقال: «وأول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج، حدثتا «حدثت» في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقاتل علي رضي الله عنه الخوارج لما قاتلوه فقتلهم. أما عن منشأ فكر التكفير والتفسيق الخاطئ فإن الشيخ عبدالعبدالكريم يوضح في دراسته: «مظاهر التكفير والتفسيق» موجودة منذ فترة بعيدة، ولعلها في الصدر الأول من هذه الأمة، وما زالت توجد في جهات من العالم، ولها أشخاص يحملونها، ولكن بثوب جديد. وقد كانت الشرارة الأولى لهذه الطائفة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، يوضح هذا ما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم، جاء عبدالله بن ذي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: «ويحك! ومن يعدل إن لم أعدل»؟! قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه، قال: «دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في قذذه، فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد في شيء، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم...» الحديث وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: بعث عليّ - رضي الله عنه - وهو باليمين بذهيبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقسمها بين أربعة، فقال رجل: اتق الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله»؟ ثم ولى الرجل، فقال خالد - رضي الله عنه - يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: «لا لعله أن يكون يصلي» فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم». وقد حذر أئمة السلف من هذا الفكر منذ شرارته الأولى وبينوا خطورته، ومن أمثلة ذلك ما بوب به البخاري - رحمه الله - في كتاب استتابة المرتدين من «جامعه الصحيح» اذ قال: باب قتل الخوارج والملحدين بعد اقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى:{وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} (التوبة: 115)، وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال انهم انطلقوا الى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. ثم اسند عن علي بن ابي طالب - رضي الله عنه - انه قال: اذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فوالله لأن أخرّ من السماء احب الي من ان اكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج قوم في آخر الزمان احداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز ايمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم اجراً لمن قتلهم يوم القيامة». ثم اسند عن ابي سلمة وعطاء بن يسار انهما اتيا ابا سعيد الخدري - رضي الله عنه - فسألاه عن الحرورية، اسمعت النبي صلى الله عليه وسلم؟ يقول:«لا ادري ما الحرورية، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«يخرج في هذه الأمة» - ولم يقل: منها - «قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم - أو حناجرهم - يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي الى سهمه الى نصله الى رصافه فيتمارى في الفوقة، هل علق بها من الدم شيء». ثم اسند عن عبدالله بن عمر - وقد ذكر الحرورية - فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:«يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية» (1) ا. ه (2). فهذا مثال من امثلة كثيرة على تجلية فكر هذه الطائفة، حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وهو امام العلماء وسائر الأمة، واقتدى به في هذا التحذير الصحابة والتابعون وسائر أئمة العلماء من ذلك الزمن الى يومنا هذا. وهكذا تتابع أئمة العلماء جيلاً بعد جيل على بيان خطورة فكر الخوارج. وعن الخوارج وهل هم مستمرون الى آخر الزمان قال الشيخ العبدالكريم يبين: قال شيخ الإسلام بعد ان ساق الأثر الذي فيه ان علامتهم ذو الثدية:«وهذه العلامة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي علامة اول من يخرج منهم ليسوا مخصوصين بأولئك القوم، فإنه قد اخبر في غير هذا الحديث انهم لا يزالون يخرجون الى زمن الدجال، وقد اتفق المسلمون على ان الخوارج ليسوا مختصين بذلك العسكر»(1). وقد جاء من حديث علي - رضي الله عنه - :«وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«سيخرج قوم في آخر الزمان احداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز ايمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة)»(2). اما عن حملة فكر التكفير والتفسيق الخاطئ فإن الشيخ العبدالكريم يقول: المتأمل في احوال حملة ذلك الفكر المنحرف يجد وصف نبي الله صلى الله عليه وسلم منطبقاً عليهم تمام الانطباق.. فقد جاء في وصفهم في الأحاديث المخرجة في «الصحيحين» وغيرهما انهم: 1 - حدثاء الأسنان: والمعنى انهم صغار في اسنانهم، لازالوا شباباً، والغالب على من كان في هذا السن انه لا يكون عنده ما عند الشيوخ الذين عاصروا الأحداث، واشتدت اعوادهم واستقرت افكارهم، فالشباب تتغير افكارهم ونظراتهم وقد يحملهم حماس الشباب على ما به هلكتهم. 2 - سفهاء الأحلام: والمعنى ان عقولهم رديئة، فبصيرتهم ونظرهم ضعيف، حتى ولو حصلوا شيئاً من العلم، فإنهم يجعلونه على خلاف ما اريد. به، ألا ترى أن ابن عمر قد وصفهم بقوله: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. وأبلغ من ذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان» وهذا من أدلة نبوته صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به. وما أحسن ما قال الحافظ القرطبي في كتابه «المفهم» - واصفاً هؤلاء القوم -: «وهذا كله من آثار عبادات الجهال الذين لم يشرح الله صدورهم بنور العلم، ولم يتمسكوا بحبل وثيق، ولا صحبهم في حالهم ذلك توفيق، وكفى بذلك: أن مقدمهم رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ونسبه إلى الجور، ولو تبصر لأبصر عن قرب أنه لا يتصور الظلم والجور في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا يتصور في حق الله تعالى». ثم قال: «ويكفيك من جهلهم وغلوهم في بدعتهم حكمهم بتكفير من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة إيمانه وبأنه من أهل الجنة». ولا زال هذا المنهج لهم إلى زماننا اليوم فلئن شبه لهم الشيطان بتكفير الحكام لشبه وتعليلات سقيمة لا تسلم لهم، فكيف لهم أن يكفروا علماء الأمة وأفاضلها الذين شهدت لهم الأمة بالخيرية والنصح لها. ومن الطوام التي ماجت بها الأزمنة المتأخرة أن رؤوس تلك الفرقة كثير منهم ليسوا مؤهلين من الناحية الشرعية، فليسوا أصحاب تخصص في العلوم الشرعية، بحيث يدرسونها على علماء موثوقين لهم قدم راسخة ومشارب صافية ينهلون بها من الكتاب والسنة وفق فهم الصحابة وتابعهم، بل زادوا على ذلك الضلال بمعارضتهم للعلماء المشهود لهم بالفضل والسبق إذا عارضوهم بآرائهم وتوجهاتهم المبتدعة الضالة، وحكموا فيهم الأهواء والعقول ونحوا الشرع والأثر وهذا وصفهم منذ ظهورهم كما قال أبو حاتم الرازي - رحمه الله -: «علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر». أما عن موقف الصحابة والسلف من الخوارج وحكمهم فيهم فيقول الشيخ العبدالكريم كان موقف الصحابة - رضي الله عنهم - والسلف من بعدهم من الخوارج قوياً وحازماً، وقد تجلى في التحذير منهم ومن بدعهم ومقالاتهم الفاسدة، كما كانوا يناظرونهم ويعلمونهم كما فعل علي بن أبي طالب وابن عباس - رضي الله عنهما -. وكانوا يرونهم شرار الخلق. وكانوا يقاتلونهم إذا حدث منهم قتال أو بغي أو قطعوا السبل وتعرضوا لمصالح المسلمين. وإليك نماذج من مواقف السلف من الخوارج: 1- وأخرج بسنده عن الأورق بن قيس، قال: «كنا بالأهواز نقاتل الخوارج، وفينا أبو برزة الأسلمي - رضي الله عنه - فجاء إلى نهر، فتوضأ، ثم قام يصلي». 2- وأخرج عن ابن عباس أن عليا أخرجه إلى الخوارج فكلمهم ففرق بينهم، فقال الخوارج: {بل هم قوم خصمون}. 3- وروي عن عون بن عبدالله، أن عمر بن عبدالعزيز أخرجه إلى الخوارج فكلمهم. 4- وكان ابن عمر يراهم شرار الخلق، وقال: انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. 5- وروى إسحاق، قال: «وسئل - يعني الإمام أحمد - عن الحرورية والمارقة يكفرون وترى قتالهم؟ فقال: اعفني من هذا وقل كما جاء فيهم في الحديث»، أي أنهم مارقة ويقاتلون - والله أعلم -. 6- وعن عبدالله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما - وذكر له الخوارج واجتهادهم وصلاحهم، فقال - رضي الله عنه -: «ليسوا بأشد اجتهاداً من اليهود والنصارى، وهم على ضلالة». 7- وعن المعلى بن زياد: قيل للحسن: يا أبا سعيد خرج خارجي بالخريبة - محلة عند البصرة - فقال: المسكين رأى منكراً، فأنكره، فوقع فيما هو أنكر منه. 8- ثم قال الآجري: «فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام - عدلاً كان الإمام أو جائراً - فخرج وجمع جماعة وسل سيفه واستحل قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ولا بطول قيامه في الصلاة ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العلم، إذا كان مذهبه مذهب الخوارج، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما قلته - أخبار لا يدفعها كثير من علماء المسلمين، بل لعله لا يختلف في العلم بها جميع أئمة المسلمين». 9- وقال أيضاً: (باب ذم الخوارج): «وسوء مذاهبهم وإباحة قتالهم وثواب من قتلهم أو قتلوه، قال محمد بن الحسين: لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء عصاة لله - عز وجل - ولرسوله الله صلى الله عليه وسلم، وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين، وقد حذرنا الله - عز وجل - منهم، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وحَذَّرَنَاهُم الخلفاء الراشدون بعده، وحَذَّرَنَاهُم الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبعهم بإحسان، رحمة الله - تعالى - عليهم». وقال العلامة المحقق الشاطبي - رحمه الله - في كلامه عن فرقة الخوارج وفكرها: «فقد عَرَّف عليه الصلاة والسلام بهؤلاء وذكر لهم علامة في صاحبهم، وبين من مذهبهم في معاندة الشريعة أمرين كليين: أحدهما: اتباع ظواهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصده ومعاقده، والقطع بالحكم فيه بباديء الرأي والنظر الأول، وهو الذي نبه عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم» ومعلوم أن هذا الرأي يصد عن اتباع الحق المحض، ويضاد المشي على الصراط المستقيم. والثاني: قتل أهل الإسلام وترك أهل الأوثان على ضد ما دلت عليه جملة الشريعة وتفصيلها، فهذه ظاهرة خطيرة وسيئة يجب على المسلم أن يخاف الله عز وجل وأن لا يحكم بالردة أو بالكفر على أحد بدون روية وبدون تثبت وبدون علم، العلماء لا يكفرون إلا من كفر الله ورسوله والراسخون في العلم لا يحكمون بالكفر إلا على من ثبت كفره وتبين كفره في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما الجهال والمتسرعون وأنصاف المتعلمين فإن أرخص شيء عندهم التكفير فلا حول ولا قوة إلا بالله. وكل من خالف رأيهم أو خالف مذهبهم حكموا عليه بالتكفير، هذه صفة قبيحة وصفة ذميمة. ظاهرة التكفير زلة عظمة يجب على المسلم ان كان جاهلاً فلا يجوز له الكلام بغير علم وإن كان عالماً فيجب عليه أن يتثبت ولا يقدم على هذا الحكم الخطير إلا بعد تثبت وروية، والتأكد من أن هذا الشخص أو هذه الفئة أنها خارجة عن الإسلام، فيجب على المسلم أن يمسك لسانه عن هذا الأمر الخطير فلا يجالس ولا يصاحب من هذه صفاتهم، لا يجالس هذه الطائفة المارقة التي تكفر المسلمين؛ لأنه إذا جالسهم صار مثلهم، بل عليه ان يفارقهم وان يبتعد عنهم، في غزوة تبوك جلس بعض المنافقين يتحدثون فيما بينهم فتحدثوا في الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكذب ألسنة، ولا أرغب بطوناً ولا أجبن عند اللقاء - يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - ، وكان شاب من المؤمنين حاضراً معهم وقال للمتكلم: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنكر عليهم لما في قلبه من الايمان والغيرة على دين الله، ثم ذهب ليخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد سبقه ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم بما قالوه قبل أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشخص، والرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي في شأن هؤلاء أمر بالرحيل من هذا المكان فرحلوا وركب النبي صلى الله عليه وسلم راحلته. وجاء هؤلاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعتذرون ويقولون: يا رسول الله، إنما هو حديث الركب، إنما قلناه نسهل به عناء الطريق، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إليهم وهم متعلقون بنسعة ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: يا رسول الله، إنما هو حديث الركب نسهل به عناء الطريق. والرسول صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إليهم ويتلو قوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} «التوبة: 65 -66» ولا يلتفت إليهم ولا يزيد على ما قاله الله سبحانه وتعالى. الشاهد من هذا أن الذي تكلم في هذا المجلس واحد والباقون ساكتون لم ينكروا عليه فحكم الله عليهم بالكفر جميعاً ما عدا هذا الذي قام واستنكر الأمر وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. الحاصل أن الأمر خطير فلا يجوز للإنسان أن يجالس أو يصاحب أو يرافق هذه الطائفة المارقة التي تكفر المسلمين وتكفر ولاة أمور المسلمين من غير بصيرة ومن غير علم ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم فعلينا أن نبتعد عنهم وأن لا نستمع إلى أقوالهم، وأن ننبذهم ونبتعد عنهم ولا نجالسهم.