كما بدأنا الحلقة الأولى بوصف رحلة الأرض في الفضاء حول الشمس برحلة قطار يمر بعدة محطات ويتعرف الركاب على خصائص تلك المحطات من خلال رؤية نجوم هي علامات ثابتة تظهر أثناء المرور قبالتها، نواصل مع نجم سهيل. ففي يوم 24 أغسطس هذا العام 1434ه وافق 17 من شهر شوال، طلع نجم سهيل وقت الفجر وهو يرى في هذا الوقت من السكان في وسط المملكة العربية السعودية، ويشاهد قريبا من الأفق الجنوبي، وهو يرى بشكل أوضح لمن هم في الجنوب من المملكة كنجران مثلا. من شدة اهتمام الناس بالبحث عنه وترقبه يرى بعضهم نجماً قبله بأيام فيحلف الرائي أنه رأى نجم سهيل، ولكن الحقيقة أنه رأى نجماً أو نجمين آخرين سميا لهذا السبب (محلفان) أو (محنثان) لأنه أخطأ في ظنه حيث يظهر نجم سهيل حقيقة بعدهما بأيام قليلة أي قرابة أسبوع أو عشرة أيام من ظهور المحلفان. ويفرح برؤيته كل من كان مهتماً بالمتغيرات التي تأتي بعد طلوعه، وخاصة أهل المقناص، أيضاً لأن سموم القيظ قد طال على الناس. يقول الشاعر: سهيل نجمه قد له أيام شفناه واقفى سموم القيظ وأقبل براده راعي الولع يفرح ليا حل طرياه تمضي لياليّه سرور وسعاده وأما وقت ظهور سهيل بالنسبة إلى النجوم الأخرى وترتيبه بينهم كالثريا والرقيب والمرزم مثلا، فيقول الخلاوي في قصيدته التي نقتطع منها هذا الجزء: والى مضى خمس وعشرين ليله يطلع لك المرزم كقلب الذيب والى مضى خمس وعشرين ليله يطلع سهيل مكذب الحسيب والى مضى خمس وعشرين ليله تلقا الجوازي طردهن تعيب تلقى الجوازي ما تناظر مقيله ليله نهار وتجتلد وتليب والى مضى خمس وعشرين ليله لا تامن الما صيبه صبيب وقوله: لا تأمن الماء، يعني توقع هطول المطر في أي لحظة عندما يكون الوقت بعد طلوع نجم سهيل وليس قبله؛ لأن الوقت وقت مطر، والوسم والشتاء محطته قادمة والصيف والخريف منتهيان منسحبان إلى الخلف، يقول الشاعر راشد الخلاوي أيضا: احسب ثمان مع ثمان مع أربع وإلى سهيل من جنوب يحايد يشبه لقلب الذيب يسناك نوره يشرف على غرات هدب الجرايد وإلى مضى واحد وخمسين ليلة لا تأمن الماء من حقوق الرعايد وهو يعني هنا دخول الوسم، الذي فيه المطر نافع بإذن الله للنبات وكثرة الكلأ وأيضا الكمأة. ويقول بعضهم في رواية أخرى (يشبه لقلب الذيب يصلاك نوره) والمعنى وضوحه وشدة لمعانه فهو من النجوم شديدة اللمعان بوهج بألوان عدة تبرق بوضوح يلفت الانتباه، لكن كونه على الأفق يخفف ذلك من اللمعان أول ظهوره. ولقد اهتم الأجداد بصياغة بعض العبارات المختصرة المفيدة الدالة على حدث، يقولون في العبارات الشعبية: [ إلى طلع سهيل لا تامن السيل ] وهذا ما يترقبه سكان الجزيرة العربية، ومن أجله أيضا يترقبون طلوع سهيل لكي يقترب موعد السيل، الذي ينتظر في الفترة القادمة من بعد 15 اكتوبر. ونجم سهيل لا يرى طيلة العام فهو من النجوم اليمانية لا الشامية، ومعنى يمانية أي إلى الجنوب فقد قسمت الاتجاهات في الجزيرة العربية إلى أربعة، شرقية وغربية ودلالتها الشمس، وشمال الكعبة شامية نسبة إلى الشام وجنوبها يمانية نسبة إلى اليمن. على أن سهيلا لا يعني مبادرة درجات الحرارة بالانخفاض كما يتوقعه الكثيرون، بل إن الحرارة تبقى مرتفعة ورياح السموم مستمرة تلهب الصحراء نهاراً فترة تصل إلى عشرة أيام من أوله أو أكثر كما هي في الصيف أو أشد،ولهذا جاء قولهم وصفا لهذه الفترة من طلوع سهيل[ إذا طلع سهيل برد الليل أو طاب الليل وامتنع القيل،وخيف السيل، ولأم الفصيل الويل، ورفع الكيل] وقولهم (إلى طلع سهيل، تلمس التمر في الليل) فما أن تضع يدك على عذق النخلة إلا وتجد التمر حتى ولو كنت في الليل. ويسبق ظهور سهيل فترة هي طلوع نجم الكليبين ويقولون [إلى طلعت الكليبين تأخذ الحفنة باليدين] يعني حفنة التمر. إن ظهور نجم سهيل يعد الحد الفاصل بين حرارة الصيف الذي بدأ من طلوع الثريا، والهواء اللافح وبين النهاية للصيف والنزول الذي تبدأ فيه درجات الحرارة بالانخفاض، ويبدأ ظهور الظل المسمى (سهيلي) ويقع بجوار الأجسام من أشجار وجدران وغيرها كظل شمالي لها باعتبار نجم سهيل يسطع من الجنوب، وبالطبع هو ظل من الشمس التي بدأت تميل إلى النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ولا علاقة لنجم سهيل بالظل لكن نسب إليه لأنه يصاحب فترة ظهوره. وتبدأ نسائم هواء باردة وانخفاض حتى في درجات حرارة الماء عند ملامسته في طرفي النهار وأثناء الليل، بحيث يشعر مستعمل الماء بالقشعريرة. وقد يرصد المناخ ويتابع ويهتم منه من أجل الزراعة وخاصة النخلة لأنها أهم ما في وسط الجزيرة العربية فيهمهم أن تكتمل العناية بها، فقد جاء في قصائد الشاعر راشد الخلاوي متابعة متسلسلة زمنياً حيث يقول: إلى غابن النسرين بالفجر علقوا مخارف في لينات الجرايد يعني يبدأ الخراف وأول بواكير التمر، والنسران نجمان فوق الرأس يغيبان الآن مع الفجر هما أبين وأوضح نجمين يفصل بينهما مسافة ليست كبيرة. وأخيرا نعكس المسألة كلها، فكما أن هناك الكثيرين يفرحون بطلوع نجم سهيل فإن هناك من يتمنى عدم طلوعه، وذلك لأنه يتسبب وقت طلوعه في تفرق البوادي عن الموارد، ويستغنون عنها ويتبعون الكلأ فلا يجمعهم مكان وهذا يتسبب في فراق من لا يريد فراقه. يقول مرشد البذال رحمه الله: اشره على اللي لامني يوم اغني ومن قال لي لا ترفع الصوت بالحيل انا غدت لي شوفة (سهيل) جني شوف (التويبع) يابعد شوفة سهيل فكأنه إذا رأى نجم سهيل يرى جنيا، من الوحشة، فهو يخيفه ويروعه ويتمنى رؤية التويبع الذي لا سيل فيه، كل ذلك خوفا من الفراق واشتياقا للاجتماع.