لم ينم، مذ البارحة، البستانُ الشاعر، ولا عمي منصور النجار، ولم تستطع الغيوم أن تتحرك مع الريح إلاّ بعدما زرعت بذرة تشبه وجهه الطفولي في تربة البلاد العربية بدءاً من سوريا ولا انتهاء في فلسطين والعراق واليمن والإمارات، وأيضاً، الأبجدية حملت بذورها، وانطلقت إلى المجرات لتنثر الهالات هناك، فيلتقطها الأطفال من عرائش قصيدة أحب أمي، ويتماوجون بمحبة مع لازمة: "مطر.. مطر.. مطر"، منتظرين عطاء السماء من محبة وسلام وأمان، محدقين بين الفصول ليروا وجهه وقد ابتسم رغم عناء الحياة، وتراكُم الجهات، وحقائب السفر، والحروب، والتشرد، والاغتراب، والبحث عن المجهول ليقف أمام المستحيل وجهاً لوجه، بكل بساطة وعفوية وبشاشة. له في كل نبضة طفل قصيدة، وللدكتورة ملكة أبيض، كل هذه النبضات والأطفال..، ولي، تلك الأناشيد التي رددتها وغنيتها منذ الصف الأول الابتدائي، وأنا أرجو طلاب الصف الثاني والثالث على أن يعيروني كتاب المحفوظات لأحفظ أناشيد أخرى.. لم تكن تدري خافيتي بأن شعره كان أهم ما خطفني إلى الشعر، ولم تكن تعلم لغتي بأنها تُبحر في الجحيم الموسيقي، بألوانه الخضراء والبنفسجية والأرجوانية، لتتذكر شجرة التوت التي تظلل بها سليمان العيسى ذاتَ حلمٍ، وقصيدة، وها هي كلماته ترنّ جذوراً، جذوراً، ليتظلل بها أطفال العرب والعالم، فيا قطرات المطر الساقط يا قطرات، كيف نسيت الحقل الشاعر يا قطرات؟ عودي إليه، وتأرجحي مع مخيلته الصافية، وخطّه العريق بالحضارة، وانتظري، قريباً من قصائده، لعلك إذا ما طرقتِ أبوابَ النور، انفتحت الأمواج المسحورة، ورحلتْ بك إلى الثمالات، متأملة (مع الفجر/ حلب (1952)، ساردة ومترجمة وعابرة إلى رحيقها الأول، وكلامها المعتّق، وسحرها الذي يفوح مثل الخلود. سليمان العيسى، يا شاعر الضاد والطفولة والعروبة، سلامٌ على تربة ستخضرّ بالكلمات، وأصوات الأطفال وهم ينشدون قصائدك، سلامٌ على وقت تحرك معك بين اسكندرون والعالم وحلب ودمشق، سلام على الدكتورة ملكة، وهي تقول لي على الطرف الآخر من الهاتف: أنا، أيضاً، لا أعرف ماذا أقول! وكيف سأحيا دونه؟ (33) سنة، ونحن معاً. سلامٌ على براءته وهي ما تزال تكتب، خلسةً، من الريح، ما تزال تكتب القصيدة، فكن حنوناً أيها الغيم، واشهدْ أنك دمعنا كلما جاء مطرٌ، ولم يغبْ مطر.