المواقف الشجاعة التي تبرز في المنعطفات التاريخية المصيرية للشعوب والأمم تحدد مستقبلات التاريخ، وتقونن توجهاته نحو الأهداف والغايات والرؤى التي تتطلع لها الشعوب والأمم، وتنتشل المسارات من المآزق والانهيارات والتفتتات التي ربما تكون حاضرة كغايات في لعبة الأمم، وتحرك أدوات التدمير والتضليل وتستنبت العنف في نسيج المجتمعات لإيصالها إلى أنفاق معتمة من الفوضى وفقدان الوعي الوطني والقومي وتحيلها إلى شتات متباعد إن في الطيف السياسي أو الطائفي أو المذهبي، وبذلك تقضي على كل حلم بامتلاك الفعل النهضوي المعرفي والثقافي والاقتصادي والتنموي. ومصر عمق العالمين العروبي والإسلامي، ومنارة إشعاعه التنويري تتعرض الآن لأشرس نوايا التفتيت والإلغاء في وحدة مجتمعها المناضل، وجيشها الباسل، وامتداد الجغرافيا المتماسكة منذ آلاف السنين، وتستهدف في اقتصادها وأمنها من قبل قوى الشر والإرهاب التي لاتعرف لغة حضارية في العالم لإدارة الأزمات وتوفير مناخات الحوارات، وإنما لغتها لغة الدم والتدمير وإلغاء الآخر والاعتداء على المؤسسات ودور العبادة ومصالح الناس التي توفر قوتهم وتمكنهم من مواجهة الحياة، وتدمير حضارة ثرية وغنية ومبهرة قامت منذ فجر التاريخ. من هنا كانت الوقفة الشجاعة والمخلصة والمؤمنة من رجل التاريخ وصانع مساراته وتوجهاته القائد الاستثنائي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لأنه يحمل هم الأمة ومصائرها، ويشتد ألمه حين يرى الواقع ويستشرف من خلاله المستقبل الذي هو في حقائق الأمور يحمل البؤس والانحطاط لمسيرة الأمة ونضالاتها في الوصول إلى ما يبعث الاطمئنان أو على الأقل الأمل. لقد عبر الملك المؤمن بعروبته وإسلامه وأمته وإنسان أمته ومقدراتها وتاريخها ومنجزها الحضاري عن ألمه وحزنه لما تتعرض له مصر التاريخ من استهدافات مخيفة، ورفع صوت المملكة مهيباً برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية والشرفاء من العلماء وأهل الفكر والوعي والعقل والقلم للوقوف وقفة رجل واحد وقلب واحد في وجه كل من يحاول أن يزعزع مصر، وينال من أمنها وتماسك مجتمعها، ويدخلها في متاهات الخوف والرعب. صرخة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو الرجل الصادق والمؤمن والواضح والصريح تأتي في وقت وزمن تقف فيه مصر على حافة الخطر بفعل الفكر المتطرف والغبي والذي لايحمل مشاريع ورؤى تنموية وإنما يسوق هذه الأمة إلى متاهات الفوضى التي تقتل كل طموحاتها وأهدافها في التنمية والمعرفة والتنوير. الملك عبدالله قال كلمته ولم ييأس لأنه مؤمن بأن العقل سيسود والحكمة ستطغى على الجهل والتخلف، وستبقى مصر حضن العروبة، وملهمتها في صناعة الحضارة والمعرفة.