في منتصف رمضان صدر قرار مجلس الوزراء على أن يكون "مجلس المنافسة" ذا شخصية اعتبارية مستقلة ويتمتع بالاستقلال الإداري والمالي. وينص نظام المنافسة على مواد غاية في الاهمية ومنها المادة الثانية التي عرفت الهيمنة بأنها "وضع تكون من خلاله المنشأة أو مجموعة منشآت، قادرة على التأثير في السعر السائد في السوق من خلال التحكم في نسبة معينة من العرض الكلي لسلعة أو خدمة معينة في الصناعة التي تمارس نشاطها فيها. وتحدد اللائحة هذه النسبة طبقاً لمعايير تشمل تركيبة السوق ومدى سهولة دخول منشآت أخرى للسوق، وأي معايير أخرى يقررها المجلس." ونصت المادة الرابعة على أن "تحظر الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود بين المنشآت المتنافسة أو تلك التي من المحتمل أن تكون متنافسة، سواء أكانت العقود مكتوبة أو شفهية، وصريحة كانت أم ضمنية، إذا كان الهدف من هذه الممارسات أو الاتفاقيات أو العقود أو الأثر المترتب عليها تقييد التجارة أو الإخلال بالمنافسة بين المنشآت. كذلك يحظر على المنشأة أو المنشآت التي تتمتع بوضع مهيمن، أي ممارسة تحد من المنافسة بين المنشآت...." ومن هذه المماسات التحكم في أسعار السلع افتعال وفرة مفاجئة في السلع والخدمات بحيث يؤدي تداولها إلى سعر غير حقيقي، يؤثر في باقي المتعاملين في السوق. والخدمات المعدة، الحد من حرية تدفق السلع والخدمات إلى الأسواق أو إخراجها منها بصفة كلية أو جزئية، وغيرها من الممارسات. وفي المادة السادسة اشارت الى أن "على المنشآت المشاركة في عملية الاندماج، أو المنشآت التي ترغب تملك أصول أو حقوق ملكية أو حقوق انتفاع أو أسهم، تجعلها في وضع مهيمن، إبلاغ المجلس كتابة قبل ستين يوماً على الأقل من إتمامها". وتأتي أهمية تلك المواد لعلاقتها الجادة بأسواق السلع والخدمات في المملكة، فتركيبة الأسواق السعودية يطغى عليها احتكار الأقلية لسيطرة معظمها على الأسواق عن طريق الوكالات الحصرية او اتفاقيات الجنتلمان غير المكتوبة للسيطرة على أو تقسيم الأسواق. ويعود الخلل الهيكلي الى أن نشأة الأسواق بدأت بجهود فردية لبعض العائلات التجارية، مع تركيز الطبقة الوسطى للانضمام للعمل الحكومي المدني والعسكري. ورغم نجاح بعض الجهود الفردية في خلال العقود الثلاثة الماضية في انشاء شركات منافسة فان هناك قصص فشل كبيرة لصغار المستثمرين. وقد صدرت انظمة وتشريعات عديدة لتنظيم الأسواق لكنها كانت تتعامل مع الواقع، ولا تعمد الى تغييره لتشجيع الأخرين للدخول والخروج في اسواق تنافسية تتسم بالشفافية والعدالة. لقد شهدت الأسواق السعودية تطورا واضحا في الألفية الجديدة منذ صدور استراتيجية التخصيص حيث ظهرت شركات جديدة قطاع الاتصالات والتقنية والمعلوماتية، وقطاع الكهرباء و النقل والتجزئة والانشاءات والمقاولات. وأصبح هناك بعض الانفراج لكنه ظل مفيدا للتجار ذوي الخبرات التاريخية في ظل غياب انظمة تشجع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتأخر صدور الأنظمة والتشريعات لبعض القطاعات المستهدفة بالتخصيص. من هنا فإن دور مجلس المنافسة أصبح مهما للغاية لتفكيك التركيبة المعقدة للأسواق ومنها تعريف الاحتكار الخاص بالسوق السعودية واحتكار الأقلية ووضع شروط المنافسة العادلة والشفافة ومنها وضع المعايير التي توائم السوق السعودية كما نصت عليه المادة الثانية. وفي اعتقادي أن وضع المعايير تلك هي أهم التحديات التي ستواجه المجلس حتى يصبح دوره فعالا. وفي مجال الاندماجات والاستحواذات التي اصبحت نشطة نوع ما بعد انشاء هيئة السوق المالية، فإن المجلس قد يعمل على اضافة بعض الاشتراطات مستقبلا بعد تفهمه لطبيعة تلك الاستحوذات. وفي اعتقادي أن على المجلس معرفة النية بالاستحواذ والاندماجات منذ البداية والا ينتظر حتى يحصل على اشعار بذلك قبل 60 يوما، اذ إن معرفة المجلس سيكون متاخرا للغاية في إسراع او إبطاء عمليات الاندماج والاستخواذات. ويجب التنويه الى أن لوائح المجلس تحتاج الى المزيد من الانظمة والتشريعات في مجال الاحتكار واعلان الافلاس حتى يتسنى له تغطية الاسواق من بداية دخول الشركات وتتبع تطورها ونموها في الاتجاه التنافسي الصحيح وحتى خروجها من السوق، الأمر الذي يجعل من دور المجلس أكثر قدرة وفاعلية في تنظيم الأسواق لتقديم أسعار عادلة للمستهلك.