مرّت الخدمة الاجتماعية بتاريخ طويل شهد الكثير من التغيرات، بدءاً من تقديم الخدمات بدافع الخير والإحسان ولكن بطرق غير منظمة وربما عشوائية، ثم حل التنظيم بفضل المؤسسات الخيرية، وتبعه بعد ذلك تقديم الخدمات الاجتماعية عبر المؤسسات الاجتماعية الحكومية، وإلى هذه المرحلة وصلت الخدمة الاجتماعية في الكثير -إن لم يكن جميع الدول العربية-، ثم أخذت فكرة خصخصة المؤسسات الاجتماعية منحى جديداً في حقل الرعاية الاجتماعية، وذلك مع دخول القرن الحادي والعشرين الميلادي. خدمات «القطاع الخاص» أجدر أن تحول «النزلاء» إلى «عملاء» يستجيبون للتغيير وبرامج الدعم للمستقبل وظهر هذا النمط الجديد في الدول الغربية -الولاياتالمتحدةالأمريكية تحديداً-، من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية عبر وكلاء يمثلون مؤسسات متخصصة -قطاع خاص غير حكومي- يتم التعاقد معهم وفق اتفاقات معينة؛ لإيصال الخدمات للعملاء والمستفيدين؛ بهدف تحقيق الجودة، والكفاءة، والسرعة، والدقة في تقديم الخدمات الاجتماعية. د.يوسف العثيمين خلال زيارته التفقدية لدار الأيتام في جدة «أرشيف الرياض» ويأتي مقترح مشاركة القطاع الخاص في إدارة شؤون دور الحماية والإيواء التابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية مطلباً مهماً، خاصة مع تنامي أوجه قصور تقديم الخدمات، وعدم كفايتها على مستوى مناطق ومحافظات المملكة، وذلك على الرغم من أن نقل التجارب الحديثة المطبقة حالياً في أمريكا ليس بالأمر الهين، خصوصاً حينما يكون على مستوى الدول والخدمات التي تقدمها، بجانب الاختلاف التشريعي والثقافي الذي قد يحول من دون تطبيق بعض التجارب الناجحة في مكان أو زمان مختلف؛ مما يعطي أهمية إزاء تقصي هذا الموضوع ومحاولة فهم نظامه بشكل كامل، وآليات تطبيقه بشكل دقيق. دور المسنين تنتظر دعماً أفضل لتطوير الخدمات معرفة الأسباب أولاً وذكر «د.عبدالرحمن الهيجان» -عضو مجلس الشورى في لجنة الإدارة والموارد البشرية- أنّ الخصخصة أو مشاركة القطاع الخاص ليست العلاج الشافي لقصور أداء الجهاز الحكومي، بل إنّه لا توجد أي دراسات أو شواهد تبرهن أنّ الخدمات إذا ما تم تقديمها من القطاع الخاص ستكون أفضل مما إذا قدمت من قبل الحكومة، مبيناً أنّ المطلوب هو أن نبحث أولاً عن أسباب تقصير أداء الجهاز الحكومي في تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية ممثلا في وزارة الشؤون الاجتماعية؛ لأنّه قد يكون ناجماً عن عدم توفير الميزانيات الكافية لتنفيذ مشروعات وبرامج الوزارة في إنشاء وتشغيل دور الرعاية، أو قد يكون السبب راجعاً إلى عدم حصول الوزارة على العدد الكافي من القوى العاملة، أو ربما يكون هناك خلل إداري فيما يختص بإدارة تلك الدور، وهذه جميعاً معوقات وقضايا يمكن علاجها والارتقاء بأداء الوزارة تجاه الدور الاجتماعية. دور الملاحظة لا تزال بحاجة إلى دعم برامج التأهيل للحد من مشكلات الأحداث وقال إنّ القطاع الخاص قد ينجح في إدارة المشروعات ذات العائد الاقتصادي المجدي، ولكن ليس بالضرورة أن ينجح في مجال تقديم الخدمات لتلك الدور؛ كونه يركز على المشروعات ذات العائد الربحي فقط، بدليل أنّه أحجم عن مشروعات التنمية في البلاد، ومنها مشروعات المدن الاقتصادية في المملكة، منوهاً بأنّ النظام الأساسي للحكم قد نص في المادة (27) على ما يلي: «تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم النظام الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في العمل الخيري»، معتبراً أنّ هذا يؤكّد على أنّ مهمة إدارة الدور الاجتماعية وتقديم الخدمات جميعها هي مهمة داخله في صميم عمل الدولة، لافتاً إلى أنّ القطاع الخاص إذا أخذنا بمشاركته فإنّه لن يركز إلاّ على المدن الكبيرة فقط، وسوف يتم حرمان المناطق والمحافظات والمراكز الصغيرة من خدمات هذه الدور. د.الهيجان: ليست حلاً وأسباب القصور قائمة وأضاف أنّ القطاع الخاص من الممكن أن يساهم في تطوير أعمال الرعاية الاجتماعية، من خلال دورها في برامج المسؤولية الاجتماعية، وذلك ببناء هذه الدور، أو تجهيزها، أو تدريب منسوبيها، شريطة أن تظل دور الرعاية الاجتماعية تحت إداراة وإشراف الوزارة، مبيّناً أنّ مشاركة القطاع الخاص أو خصخصة تلك الدور تتضمن بعض السلبيات والإيجابيات، ولكن يبقى تقديم الخدمات هو من مسؤولية أجهزة الدولة، وإسنادها إلى القطاع الخاص ربما لن يؤدي إلى تحسينها أبداً، مشيراً إلى أنّ بعض قضايا الفساد الإداري في العالم تعود إلى إسناد مهام حكومية للقطاع الخاص الذي فشل في أدائها، إلى جانب مشاركته في العبث بموارد الدولة وتضييع حقوق المواطنين. الردادي: الربح المادي يحدد مستوى الخدمة نظام الحماية ورأى «د.إحسان طيب» -أمين عام هيئة الإغاثة الإسلامية العامة- أنّ الأمر يتطلب تدخلاً متعدد الأبعاد على مستوى التشريعات، وحتى الآن لم يظهر النظام الخاص بحماية الأسرة والطفل، وظل لسنوات طويلة يراوح الدراسة ما بين وزارة الشؤون الاجتماعية ومجلس الشورى، مشدداً على ضرورة المسارعة في إصداره؛ لوضع الأسس النظامية في التعامل مع الحالات التي تحتاج الحماية، مع نشر أماكن الحماية الاجتماعية أو الملاذ الآمن، وتوفير كافة الإمكانات البشرية والمادية، بحيث تمكن من اللجوء إلى هذه الأماكن المعروفة، والمعلن عن أهدافها عبر وسائل الإعلام المختلفة، معتبراً أنّ دخول القطاع الخاص ضرورة لمساعدة القطاع المدني عبر برامج المسؤولية الاجتماعية، وذلك من خلال توفير الدعم الكاف والملائم للجمعيات الخاصة بالحماية الاجتماعية، والتي من المفترض أن تساعد وزارة الشؤون الاجتماعية أيضاً على نشأتها، إلى جانب إمارات المناطق والمحافظات، التي لها دور كبير في متابعة الجهات المختلفة بواجباتها، ومسؤولياتها المنوطة بها في اللوائح والأنظمة في كل منطقة. د.إحسان: تطوير الأنظمة قبل عملية التحول تدريب وتوعية ونوّه «عوض بن بنية الردادي» -وكيل وزارة الشؤون وعضو مجلس الشورى الأسبق- من أنّ العنف ضد الفئات المستضعفة من الأطفال والنساء لا يمكن أن نحكم عليه بأنّه ظاهرة، وذلك لسبب بسيط؛ أنّ الاهتمام به لم يبرز إلاّ في السنوات الأخيرة، كما أنّ العنف يكون داخل الأسرة ولا يبرز إلى السطح إلاّ عندما يستفحل، وتكون الحالة المعنفة غير قادرة على الصبر، معتبراً أنّ دور الحماية التي أنشئت لاستقبال الحالات المعنفة وايوائها وتقديم الخدمة لها قليلة، ولا توجد إلاّ في المدن الكبيرة فقط، وقد لا تتسع لكل الفئات، ويصعب نقل طفل أو فتاة أو امرأة إليها، مطالباً بدعم الجمعيات بموظفين وموظفات مدربين في المدن التي تكثر فيها الحالات، مع توسع الوزارة في افتتاح الدور، أو تخصيص جزء منفصل لها من المباني القائمة. د.البريثن: أفضل خيار نحو «جودة المخرجات» وقال إنّ إسناد هذه المهمة للقطاع الخاص له سلبيات، فالقطاع الخاص يعتمد على طلب الربح، ولن يؤدي هذه المهمة مجاناً، وقد لا يعيّن موظفين ذوي كفاءة، متسائلاً: «من سيدفع تكاليف المباني، والإقامة، وما يتبعها من تغذية، وملابس، وصحة، وغيرها؟، إذا قيل إنّ الدولة تدفع للقطاع الخاص، فهذا إجراء يحتاج إلى موافقة عليا، ولا أعتقد أنّ الموضوع يتطلب تخلي الوزارة عن هذه المهمة في الوقت الراهن، لذلك أرى أنّ فتح المزيد من الدور أو تخصيص جزء مستقل من المباني القائمة هو الحل في المنظور الحالي، إضافةً إلى دعم الجمعيات والتشجيع لإنشاء جديدة لهذا الغرض، والمعروف أنّ الجمعيات هي جناح للوزارة تسند إليها بعض أعمالها، وهو منصوص عليه في لائحة الجمعيات الخيرية، ولنا في نجاح بعض الجمعيات الحالية خير مثال، أمّا أنّ بعض الموظفين أساء معاملة مقيم فهذا له عقاب جراء ما فعل، ولا يجعلنا هذا نطلب أن توكل المهمة إلى جهة أخرى». وأضاف أنّ اختيار العناصر التي تعمل في هذه الدور وتدريبها، ووضع العقوبات الرادعة، وتهيئة المكان؛ هو السبيل لتطوير العمل، فلا يهرب المعنف من ظلم وأذى إلى مثله، مبيّناً أنّ الحماية تعني الطمأنينة، واللجوء إلى مكان آمن يشعر فيه بالأمن بدل الخوف، والبيئة التي عاشت فيها هذه الفئة متوقع أنّها أثرت على سلوكها وتصرفاتها، لذا لابد ممن يعمل في هذه الدور أن يعرف كيف يتعامل معها؟، وكيف يمتص صدمتها؟، وهذا دور الأخصائي المدرب والاخصائي النفسي. الخدمة الاجتماعية وكشف «د.عبدالعزيز بن عبدالله البريثن» -أستاذ الخدمة الاجتماعية المشارك بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود- أنه منذ عقود والمتخصصون في الخدمة الاجتماعية لديهم شكوك أو ربما عدم اطمئنمان إزاء جدوى الخدمات المقدمة، ومدى الدقة في وصول الخدمات لمستحقيها، حيث قطعت الولاياتالمتحدةالأمريكية شوطاً لا يمكن تجاهله فيما يخص ممارسة وتطوير مهنة الخدمة الاجتماعية، ولعل من المفيد البحث عن وسيلة جديدة تفعّل الأداء المهني للخدمات الاجتماعية في المجتمع، من خلال الإفادة من التجارب والخبرات الحديثة، خصوصاً تلك التي ثبت نجاحها علمياً وعملياً، ومن هذه الرؤية تنبثق أهمية هذا الموضوع الذي يحاول طرح ومناقشة أسلوب عملي جديد يهدف إلى تطوير الخدمة الاجتماعية، وجعل ممارستها مستندة على ركائز وأسس علمية راسخة، تبعث على الاطمئنان إزاء الأدوار التي يؤديها الاخصائيون الاجتماعيون في الميدان، والوظائف التي تؤديها مؤسسات الرعاية الاجتماعية. فوائد وايجابيات وقال إنّ التعاقد على أساس الأداء يحقق فوائد كثيرة على مستويات متعددة، ولأكثر من طرف، لكن لابد أن يُنظر إلى فوائد وايجابيات هذا الاتجاه من حيث المستفيدين، وايجابياته على مهنة الخدمة الاجتماعية ومؤسساتها التي مهمتها تقديم خدمات إنسانية للمحتاجين والمعوزين بطرق فنية؛ لإحداث تأثيرات ايجابيات على الأفراد والمجتمع بكامله، معدداً مجموعة من الايجابيات التي يمكن الحصول عليها عند الأخذ بالتعاقد على أساس الأداء، مثل: تحسين الخدمات، مع استخدام طرق أفضل لتقديم الخدمة بما ينعكس على المستفيدين، ويمكن للحكومة أو المؤسسات الاجتماعية توضيح أهدافها والمتوقع من الخدمات التي ستقدم بواسطة متعهد، إلى جانب المرونة المالية لمقدمي الخدمات -الوكلاء- بما يمكنهم من تحقيق النتائج المرغوبة، مع وضع الأسس الممكنة من فحص، ومراقبة، وتقويم للعمل، وتشجيع الجهة المشغلة «الوكيل/ المتعهد» على ايجاد طرق مبتكرة ووسائل فعالة من منظور التكلفة لتقديم الخدمات للمستفيدين، بالإضافة إلى تقليص المتابعة، والفحص، والرصد، وذلك من حيث الجدول الزمني، بحيث يكون ذلك الجهد ذا معنى وفائدة. حوافز مادية وأضاف: «لقد اتسعت دائرة النقاش حول فاعلية الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية، التي تضع المتخصصين في زاوية حرجة منذ إثارة الموضوع أوائل السبعينيات من القرن الماضي 1973م، وذلك لكون الموضوع يمس جانباً هاماً وحساساً لمهنة الخدمة الاجتماعية، حيث بات طرح التساؤل عن جدوى وفاعلية الخدمات الاجتماعية في حاجة إلى دلائل وبراهين قاطعة أو حتى مطمئنة، ومن هذا المنطلق ربما يساهم التعاقد على أساس الأداء في تقديم مؤشرات ايجابية بفضل ما يقدمه من نظام فريد للمتابعة، وآلية جديدة للمحاسبة، بما يحقق الشفافية كغاية للتعامل بين طرفين أو أكثر»، مؤكداً على أنّ نظرية التعاقد على أساس الأداء تظهر أنّ هناك على الأقل بعض المخاطر للفشل في الأداء، والذي يجب أن يتحول من المؤسسات الاجتماعية المنتسبة للدولة إلى العاملين في تشغيل تلك المؤسسات الاجتماعية؛ بهدف تحفيزهم للتركيز على الأداء والانجاز، حيث أثبتت الدراسات أنّ عقود التشغيل تؤيد وبشكل قوي فكرة الحوافز المالية، مع الابقاء على الترابط والتواصل بين الأداء والمدفوعات، من أجل تقوية وإظهار أهمية تحقيق النتائج مع المستفيدين من الخدمات. مصاعب وتحديات وأشار إلى أنّ نظام المحاسبة الذي يمكن تحقيقه مع التعاقد على أساس الأداء قد يؤتي ثماراً ايجابية، ليس على مستوى الممارسة المهنية فحسب، وإنما أيضاً على جوانب أخرى من أهمها: ضمان الالتزام والتقيد بأخلاقيات العمل المهني للخدمة الاجتماعية، والاقتصاد في المخصصات المالية، مع حسن استثمار المدفوعات والمصروفات، مقابل الحصول على خدمات اجتماعية مجزية، مبيّناً أنّ لكل نظام إشكالاته وتحدياته، وبالتالي فالجهود دائماً تُبذل للحد من الصعوبات أو التحديات، مع تفعيل الايجابيات ونقاط القوة، وبناءً على ذلك يتم الحكم على جدوى الأنظمة وإجراءات العمل، من خلال تحليل الأهداف والنتائج ضمن الاطارين الزمني والمالي؛ مما يسمح برؤية نظام العمل وفاعليته في تحقيق الأهداف المحددة سلفاً، كما يتيح الفرصة في الغالب لعقد مقارنة بين أكثر من نظام أو أكثر من استراتيجية لتقديم الخدمة. تحليل نظري وقال «د.البريثن» إنّ من التحليل النظري والتجارب العملية -المحدودة- للتعاقد على أساس الأداء؛ يبدو جلياً أنّ أكثر التحديات العملية التي يجب التيقظ لها تتمثل في مشكلة تباين المعلومات التي تعزى إلى عدم التوازن في المعلومات التي تظهر دائماً بين الموكل والوكيل، حيث إنّ الوكيل في الخدمات الإنسانية دائماً أكثر علماً من الموكل بالعمليات والخدمات التي تقدم خلال اليوم، وبالتالي تحصل الحكومة -الموكل- على تفاصيل الخدمات المقدمة يومياً من الجهة المشغلة -الوكيل-، وبذلك تقدم المعلومات التي يرغب الوكيل في الإباحة بها، بينما تحصل الحكومة بشكل مستقل على معلومات ربما تكون مختلفة وذلك عن طريق آلية مراقبة العقد، ومن ذلك يتضح بأنّ مراقبة العقد عنصر مهم في إدارة الصفقة، فكلما زادت صعوبة المراقبة تضاعفت المبالغ التي تتكبدها الحكومة. عقود غير مكتملة وأضاف أنّ العقود غير المكتملة تعد من أهم التحديات العملية، إذ تحدث هذه الإشكالية كنتيجة لعدم تناسق وتماثل المعلومات، فالموكل والوكيل لا يستطيعان التنبؤ بشكل دقيق بالمشكلات التي قد تحدث خلال تقديم الخدمات، وبالتالي يجب تصويب أو تغيير العقود غير المكتملة لتعالج المشكلات غير المتوقعة حينما تظهر، موضحاً أنّه كلما انجزت عقود تقديم الخدمات الإنسانية بدرجة الكمال كلما قلّت تكاليف الأعمال، مشيراً إلى أنّ عقود الخدمات الحكومية عادة ما تتضمن نوعين من المدفوعات، النوع الأول: «قيمة التكاليف»، وهي التكاليف المعقولة والأساسية والموزعة وفقاً لقيمة الخدمات التي يتكبدها الوكيل أثناء تقديم الخدمات للمستفيدين، والنوع الثاني: «القيمة الثابتة»، وهي القيمة التي يتقاضاها الوكيل نظير تقديم الخدمة المتفق عليها، منوهاً بأنّ «قيمة التكاليف» تميل إلى زيادة تكاليف الانتاج، لكنها تقلل من تكاليف الأعمال، بينما «القيمة الثابتة» تميل إلى تقليل تكاليف الانتاج، ولكنها تزيد من تكاليف الأعمال. انتهازية الوكيل وأشار إلى أن مشكلة انتهازية الوكيل تحدث نتيجة تباين المعلومات، حيث تقع الانتهازية (opportunism) حينما يسرف الوكيل في البحث عن مصالحه على حساب مصالح الموكل -الحكومة-، مبيّناً أنّ من النماذج الشائعة للانتهازية التي تنتهجها الجهات المشغلة -الوكلاء-: تقديم خدمات ذات جودة متدنية بما يخالف المتفق عليه، ولعل أفضل مثال على الانتهازية في مجال الخدمات الاجتماعية إبقاء العميل -المستفيد- كنزيل في داخل مؤسسة الرعاية لفترة أطول مما ينبغي للحالة؛ بهدف تحقيق عوائد مالية للجهة المشغلة، لافتاً إلى أنّ التجارب -المحدودة- للتعاقد على أساس الأداء كشفت أنّه يمكن التغلب على مشكلة الانتهازية في عقود تشغيل الخدمات الإنسانية بواسطة استخدام منح الحوافز مقدماً، والعقوبات التي تربط مع مراقبة العقود مؤخراً. توصيات عامة وأوصى «د.البريثين» ببعض العوامل المهمة التي يجب مراعاتها قبل الأخذ بالتعاقد على أساس الأداء، مثل: تحديد أهداف الأداء والانجاز، التي يفترض فيها أن تعكس وتعزز الأهداف العامة للمؤسسة، وتصميم العقود للتعريف بنقاط القوة وأوجه القصور، مع إشراك عدد من أصحاب المصلحة والمنظمات أو المؤسسات في التخطيط، وأن تكون مقاييس الأداء ذات مؤشرات واضحة، وعادلة، وصادقة، إلى جانب التعريف بخط الأساس -مستوى الأداء الحالي-، مع وضع مستوى الأداء المتوقع، مشدداً على ضرورة إشراك الجهة المشغلة للمؤسسة في وضع مؤشر الأداء، وإسهام الجهة المشغلة للمؤسسة في صياغة الاجراءات الأخرى، منوهاً بأهمية الأخذ في الاعتبار الاستعدادات والمؤهلات الخاصة للوكالة المشغل لخدمات المؤسسة، من خلال اجراء دراسة تكشف الطاقة الحالية للجهة المشغلة لخدمات المؤسسة، مطالباً الجهات المشغلة لخدمات المؤسسة بتوضيح أدوار ومسؤوليات جميع العاملين، والتنظيم المبكر للبرامج التدريبية الملائمة لاجراءات العمل ومهامه التطبيقية، وتوفير نظام بيانات جيد يساعد على قياس وفحص الأداء. التعاقد على أساس الأداء..أمريكا نموذجاً التعاقد على أساس الأداء (performance-based contracting)، أو التعاقد على أساس الإنجاز يعدّ اتجاهاً حديثاً في تشغيل المؤسسات والمنظمات الاجتماعية في بعض البلاد الغربية، خصوصاً في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وظهر للوجود في بداياته مع مؤسسات رعاية الطفولة خلال عقد الستينات من القرن الماضي -القرن العشرين-، مبيّناً أنّ هذا الاتجاه يشهد اليوم توسعاً ملحوظاً في تقديم الخدمات الإنسانية عموماً، بحيث تقدم الخدمات من قبل مؤسسات خدمات متخصصة بدلاً من تقديمها من موظفي الوكالة مباشرةً، وفي السابق كان التعاقد على أساس الأداء يركز على المدخلات والأهداف التجريدية، مثل: عدد الخدمات المقدمة، وعدد الوحدات التي من خلالها تقدم الخدمة، لكن اليوم أصبح هناك تركيز واهتمام بالنتائج أكثر من أي شيء آخر، وأصبحت مؤسسات الطفولة تهتم وتركز على شراء النتائج بدلاً من شراء مقدم خدمات، وهذا التحول في الابتعاد عن المدخلات والتركيز على النتائج أو الأهداف العملية لتلك النتائج؛ يعكس الاتجاه العام المعروف بخصخصة الخدمات الاجتماعية (privatizing social services) الذي يعطي اهتماماً خاصاً لقضية المسؤولية والمحاسبية. ويوجد حالياً في الولاياتالمتحدةالأمريكية حوالي (12) ولاية من أصل (50) ولاية تعتمد بشكل كبير على التعاقد على أساس الأداء لتشغيل مؤسساتها الاجتماعية، أخذاً في الاعتبار أنّ الكثير من الولايات الأخرى في طريقها للأخذ بهذا النمط الجديد. ويتوقع أن ترتفع نسبة المؤسسات الاجتماعية التي تعتمد على هذا الاتجاه الحديث إلى (80%) من مجموع المؤسسات والمنظمات الاجتماعية الأمريكية، وذلك في المستقبل القريب، حيث أظهر المسح الأمريكي لاتحاد رعاية الطفولة أنّ (34) ولاية من أصل (50) ولاية أمريكية تستخدم التعاقد على أساس الأداء لتشغيل بعض مؤسسات خدمات الطفولة تحديداً.