العيد فرحة تغمر الفؤاد، وتبهج النفس، وتكتمل بوجود أحباب يحيطون بالمرء من الأهل والأحبة والأصدقاء؛ يبادلونه الحب والوفاء في المنزل والشارع وفي أي مكان يلقاهم، ففي صباح العيد عندما تخرج من بيتك يُخيل إليك أنّ كل ما تشاهده وتقع عليه عيناك جميل وممتع بجمال هذا اليوم.. فأنت ترى ما حولك ببهجة العيد السعيدة التي ترتسم على الوجوه صغاراً وكباراً، فالكل سعيد ويلبس أغلى جديد عنده، وحتى المنازل والطرقات، وكل ما يصادفك تشعر بأنّه ينبض ويشع جمالاً، وكأنّه شيء جديد، ولعل ذلك يعود إلى روحانية هذا اليوم الجميل، الذي ننتظره في كل عام بكل شغف وشوق، ليغمرنا بالسعادة ورؤية من نحب، وهم على أجمل حال وهيئة ولباس. أغنية العيد كل منا يكاد يجزم بأنّ أجمل أيام الأعياد كانت في زمن الطفولة والصبا، ونحن الكبار مع بزوغ فجر العيد نستشعر بأنّه يستيقظ داخلنا طفل العيد الذي افتقده وتحسر عليه، بعدما كبرنا وتغيّر علينا العيد الذي ألفناه من عقود بعفويته وبساطته وترابطه ولحمته، ولا نكاد نسترجع ذكرياته إلاّ في نظراتنا لأبنائنا وضحكاتهم، التي تتعالى مع أقرانهم في لعب عفوي دائم، ولهو بفرحة تملأ الزمان والمكان، فنطرق سابحين في أفكارنا، بل مبحرين نتساءل: من سرق فرحة العيد من قلوبنا؟، ولا يقطع حبل أفكارنا سوى سماع أغنية العيد القديمة، التي نسمعها من خلال القنوات الفضائية لفنان العرب "محمد عبده"، والتي تهيض الذكريات لشباب هذا الجيل أيضاً: ومن العايدين.. ومن الفايزين إن شاء الله.. أحباب.. أحباب أخوان.. أخوان جايين يهنو فرحانين ومن العايدين.. ومن الفايزين فرحة... في عيون الهنا تتبع خطاه انتظرها الشوق.. لطول السنة يحقق مناه والسعادة لكل ناوي ماهي بلبس الكساوي .. لنعود بالفكر الى الوراء قليلاً مستذكرين العيد في ذلك الزمن الجميل. فصّل ثوبك! لم يكن المرء في الفترة التي تلت توحيد المملكة يملك إلاّ ثوباً واحداً، يلبسه طوال العام، وعند قرب وقت العيد فإن من أول الاستعدادات له هو خياطة ثوب جديد، فيتوجه للسوق ليشتري قماشاً، وكانت أنواع أقمشة الرجال تكاد تكون محصورة في نوعين، هما: "زبدة" و"لاس" للموسرين، وللعامة قماش "صيني"، وهو أردى وأخشن أنواع القماش، يليه "الساحلي" نسبةً إلى وروده من سواحل المملكة، حيث يستورد من الخارج، وقد يسمى ب"المريكاني"، ثم "أبو غزالين"، وقد ورد هذا النوع من القماش في عدد من قصائد الشعراء، مثل قول الشاعر الشيخ "سليمان بن موسى الموسى" في إحدى قصائدة التراثية: وين الشرف والجوخ راحت حكايا وين الكموم مطرزات بدقات وين المريكاني وهاك العبايا وين المرورت المسمى أبو شلحات الساحلي اللّي بقي له تلايا ماعاد له ياكود تكفين الأموات وتخيط النساء الثوب يدوياً قبل استيراد مكائن الخياطة، وكذلك الحال بالنسبة للنساء فيشترين قماشاً من نوع "ترقال"، "تترو"، "سموك"، "بوال"، "كريشة"، ويشتري المترفون والميسورون من أصحاب الذوق الاجتماعي الرفيع وذوي الجاه ينتظرون العيد لتغيير الثوب الوحيد من قماش «زبدة» أو«لاس» .. والطفارى «صيني» أو «ساحلي» قماش "جلسرين"، "حب السكر"، "مرضي الزعلان"، "سحاب الحب"، "نايم المدلول"، ويقول شاعر التراث "عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي" في قصيدة ذكر فيها حياة البيوت القديمة: بخانقها على المسطاح يلاعبها الهوا تاره بقايا نايم المدلول طرايد شدها زراره وتقول احدى الفتيات في قصيدة وجهتها إلى خطيبها تحدد فيها المهر جاء فيها: أبي وارد أمريكا وأبي نايم المدلول وأبي حلقة حمرا تحت شيلة البلبول وبعد مهمة خياطة الثوب من قبل النساء في البيوت اللاتي أكسبتهن الحاجة الخبرة الكافية لذلك، تبدأ مراسم استقبال العيد للكبار والصغار رجالاً ونساءً. زين البنات كان الاحتفال بالعيد قديماً يسبق يوم العيد نفسه بيومين أو ثلاثة للبنات، حيث تخضع الصغيرات إلى عملية تزيين يسمونها "زين البنات"، يتم خلالها خضب أيديهن بالحناء، وتسريح شعورهن، وتمشيطها، وتضميخها بالطيب، ومن ثم يلبسن جميل الثياب وجديدها، ويخرجن بعد العصر في طرقات البلدة، يلعبن ويرددن بعض الأهازيج، مثل: يا أهل الركايب عراوي القلب منتله هجوا هجيج ترى الدرهام يحييني يا داخل السوق ما شفت ابن جارالله مدين ويتعرض للمزايين أمّا "زين العييل" فيكون قبل العيد بليلة، ويتم فيه تزيين الصبيان بأحلى اللبس، وتحلق رؤسهم، ومن ثم يخرجون إلى الأزقة والحارات، وهم يلهون ويلعبون والفرحة تغمر قلوبهم، ويرددون عدداً من الأهازيج، مثل: يالله ياللي في السما العالي جزل العطايا مبري العله وهكذا يستمرون في اللعب واللهو حتى مغيب الشمس من ذلك اليوم، ومن ثم يعودون أدراجهم إلى منازلهم ليناموا استعداداً ليوم العيد السعيد. العيدية «قريض» وكم قرش ..والأطفال يطيرون فرحاً مع «تمر يبيس» و«حلاوة ملبس» استقبال العيد في مساء اليوم الذي يسبق العيد ينشط الشباب والصغار في تنظيف بيوتهم والطرقات الترابية المجاورة لبيوتهم الطينية بمكانس الخوص، ويرشونها بالماء لتقسو حتى لايثار الغبار عند المرور بها، كما تكنس "البراحات" التي سيتم الاجتماع فيها لتناول موائد العيد من قبل أهل الحي الواحد. مائدة العيد بعد أن يؤدي الناس رجالاً ونساءً صلاة العيد بمصلى البلدة يتسارع كل رجل إلى داره من أجل إخراج طعام العيد، فيخرج الأولاد الأول بالبساط، والثاني بالسفرة المصنوعة من الخوص، والثالث بسطل ماء للغسيل، متوجهين إلى "البراحة"، التي بجانب بيته، والتي تجمع من (10-20) بيتاً تقريباً، حيث يأتي كلٌ ببساطه ويفرشه، ويضع عليه صينية أو صحنا فيها ما لذ من الطعام الشعبي المتوفر في ذلك الحين، مثل: "الجريش" المضاف إليه السمن البري، أو "القرصان المبلول" أو "المرقوق" وغيرها من الأكلات الشعبية، وقد صوّر الشاعر "أحمد المانع" ذلك بصورة ابداعية، وقال في إحدى قصائده: هات الحصير وسفرتك والمهفه قبل يجون من المصلى الرجاجيل شيابنا ما دونهم غير لفه وانت تجرجر ليش ياميت الحيل شف جارنا ياحظ من جا بضفه عياله السبعه تسوق الفناجيل معايدة خاصة وبعد السلام والعناق الحار وتبادل التهاني بالعيد يقول أكبرهم سناً: "تفضلوا الله يحييكم على حلالكم"، فيتحلقون على هذه السفر، ويتذوقون الأعياد، ويستمرون في حركة مكوكية بين الصحون متذوقين طبخ كل بيت، والكل منهم ينتظر كيل المديح من متذوقي طعامه؛ مما يدخل البهجة على نفسه، وهو يقول بكلمة عامية دارجة: "كلوا جعله بالعافيه.. الله مير يحييكم"، وبعد الانتهاء من تناول وجبة العيد يبقى البعض في المعيد يتجاذب أطراف الحديث مع جاره أو صديقه، بينما يذهب البعض الآخر للسلام على كبار السن ممن لم يستطيعوا الخروج لكبر سنهم، أو مرضهم، أو لذي صاحب علم وتقى، أو صاحب يد طولى في الخير وذي جاه، ومنهم من يذهب للسلام على أقربائه من النساء، كالأمهات، والعمات، وذوات النسب في صلة رحمة في عيد البهجة والفرحة، التي تتضاعف فيها فرحة الكبير والمريض عندما يرى قريبه أو جاره أو صديقه قد حرص على أن يهنئه بالعيد، فقد تتسلل من عينيه دموع الفرح من غير أن يشعر من حوله بذلك، ويستمر الناس على هذا الحال الى صلاة الظهر، وبعد صلاة العصر يخرج الرجال والشباب إلى أطراف البلدة وبجوار النخيل، ويجتمعون في أرض متسعة ويؤدون العرضة السعودية، ضاربين على الطبول ولاعبين بين الصفوف بالسيوف، وربما كانت معهم بعض الأسلحة ك"المقمع" و"الفتيل"، فيطلقون النار أثناء العرضة فرحاً وابتهاجاً بالعيد، ويستمر الناس في أداء العرضة والسامري بحضور معظم أهالي القرية حتى غروب الشمس، أما النساء فيجتمعن في عدد من المنازل، عند كبيرات السن من العائلة أو الجدة، بحضور القريبات، ويعبرن عن فرحتهن بالعيد على طريقتهن الخاصة. «زين البنات» تلبس قماش «مرضي الزعلان» أو «سحاب الحب» و«نايم المدلول» عيدية الكبار كان للعيدية طعم خاص في يوم العيد، وهي هدية يتلقاها الصغار من الكبار كالآباء، والأمهات، والجيران، وأهل الحي، وكانت على بساطتها في ذلك الوقت، إلاّ أنّها تدخل البهجة والفرحة في نفوس الصغار تحديداً، فلم يكن يعرف الناس الحلويات ولا "البسكوت" في ذلك الوقت ولا غيرها من الأطعمة، فقد كانت عيديات الكبار "قريض" من الذي يحضره الحجاج من مكة، بحيث يضعه الرجل في "شليلة" ومن مر به أعطاه بملء كفه، وقد يعطي البعض الآخر قرشا أو قرشين، ونادراً ما تكون أربعة قروش، وكانت العيدية للصغار عبارة عن تمر "يبيس"، وبعد ذلك عرفوا "الحلاو الملبس"، كانت هذه العيديات فقط، فترى الصبيان والبنات يبحثون عن بيوت القرية يطرقون الأبواب طالبين العيدية، وهم يرددون: عطوني عيدي.. عادت عليكم في حال زينه فيخرج صاحب البيت ويعطي كل منهم تمرة أو جمع "قريض"، أو "حلاو ملبس"، فيسيرون فرحين، وهم يرددون: جعل الفقر ما يجيهم ولا يكسر رجليهم مجلس القرية في صباح العيد وبعد انتهاء وليمة العيد يكون للشباب وجهتهم الخاصة بالذهاب إلى دكان القرية، أو بسطات بعض أبناء الموسرين لشراء بعض الحلوى والألعاب، وغالباً روادها من "الكشخات" و"الزكرت" بلباسهم الجميل، الذين يملكون عدداً من القروش، التي يهبها لهم أهلهم كعيديات في صباح يوم العيد أو ليلته، والبعض منهم يمارس بعض الألعاب الشعبية التي تدخل الفرحة على القلوب. «بوجي» السيارة و«بلف» الكفر حولتهما الحاجة إلى ألعاب نارية و«طراطيع» ألعاب نارية عرف الجيل القديم الألعاب النارية قبل استيرادها بفترة طويلة، حيث فرضت حاجة الناس إلى التعبير عن الفرح اللجوء إلى صنعها محلياً، قبل الشروع في استيرادها في نهاية القرن المنصرم، وقد كانت الفكرة بسيطة، ولكنها كانت في وقتها رائعة جداً، وتتمثل تلك الطريقة في الإفادة من المواد الأولية المتوفرة، فقد كان الناس يعمدون إلى تغيير "بواجي" السيارة ويتخلصون منها، إل أنّ البعض استطاع أن يجعل منها ويحولها إلى لعبة نارية رائعة، بتعديل بسيط، تمثّل في كسر رأس "البوجي"، الذي كالزجاج أبيض اللون، ومن ثم تنظيف فتحته، ووضع المادة التي تعلو رأس عود الثقاب وتشعله في وسطها، ومن ثم رصه جيداً باليد بمسمار، وتثبيت المسمار في الفتحة، بحيث لا يتحرك ويقع بسهولة من "البوجي"، أما الجهة الثانية من "البوجي"، فيتم وضع عدد من ريش الحمام أو الدجاج الطويلة وتثبيتها فيه، ويرميه من يريد اللعب عالياً في الهواء، فيقع "البوجي" على الرأس الذي به المسمار عمودياً، وذلك بفضل الريش الذي يكون في أعلى البوجي فيقع على الأرض، فيصدر صوتاً مفرقعاً ودوياً، وتكرر العملية مراراً بتعبئة "البوجي" من المادة التي تعلو عود الثقاب، ويستخدم مراراً دون أن يفسد. وهناك طريقة أخرى وهي أخذ "بلف اللستك" أو "السبابة" الذي في إطار السيارة بعد أن تنعدم صلاحيته، ويتم إخراج الإبرة التي بداخله من الجهة الخارجية، وضربها بمطرقة حتى تنغلق تماماً، أما الفتحة الصغيرة الأخرى في الدائرة التي تكون بحجم الريال الحديدي؛ فيتم حشوها بمادة الاشتعال في رأس عود الثقاب، ومن ثم اغلاقها بمسمار، وهكذا تكون جاهزة، ويستطيع من يريد اللعب بها الضرب بها على الأرض الصلبة، بحيث يكون المسمار مقلوباً، فتحدث دوياً وفرقعة كبيرة، وتعاد الكرة مراراً، ويحتفظ به إلى الأبد كلعبة نارية، ولكن هذه الأخيرة تحفها الخطورة؛ لأنّ البعض يجهل طريقة تصنيعها، فلا يخرج الإبرة من البلف وعندما يلعب بها، ويضرب بها الأرض فتخرج الإبرة وتصيب يد من يلعب بها، محدثةً جرحاً غائراً في اليد، ويقول شاعر المناطق والمناسبات "أحمد المانع" مصوراً تلك الألعاب في قصيدة: طقطاقتي من بلف لستك ومسمار وحيزه ومكره مزين الريش فيها أسحن لها عود الشخط واقدح النار للعيد وايام الفرح محتسيها أطقها فوق الصفا أو على جدار من غليها عندي أسمي عليها عيد الرياض قبل نحو 65 عاماً حيث تخرج النساء مجتمعات لمعايدة كبار السن ومعهن أطفالهن العرضة السعودية حاضرة في مناسبة العيد بسطة زمان متنوعة وذات مذاق جميل وتخلص من العيدية سيدتان من حي دخنة وسط الرياض في زيارة معايدة قبل نحو ستين عاماً بوجي سيارة تحول إلى «طراطيع» مع حشو رأسه بالكبريت وأسفله بالريش