إن البحث عن السعادة حالة طبيعية تلازم كل إنسان، وهي تكامل متعدد وأيضا لا متناه، كما أن السعادة واجب نحو الذات والبحث عنها يعتبر شقاء مستمرا إلى أن يصبح غاية، فلابد من بلوغها، وقد كتب عنها كثير من الادباء والفلاسفة وقال "آلان" : عنها في كتابه: "تأملات في السعادة" إن السعادة هي غاية في حد ذاتها وكل ما عداها ليس سوى وسيلة لتحقيقها، ولا تتحقق السعادة إلا في اطار الفضيلة، ولكن هناك من يذهب إلى ربطها بحياة اللهو والمتعة. إذن لكل مطلب في الحياة إرادة - وإرادة السعادة - تتلخص في مشاهدها، فليس هناك أجمل من وجه طفل سعيد، وخصوصا عندما يلهو، ويحول كل شيء إلى لعبة، ولا ينتظر من أحد أن يلعب من اجله أو يحل مكانه في اللعب، إن كل واحد منا قد صادف أطفالا كباراً لم يتوقفوا قط عن الاستياء، وأن كثيرا من الناس لهم معارك ضد الآخرين، هؤلاء قطعا لن يكونوا سعداء، وهذه تسمى استحالة السعادة، عندما تسقط واجباتها يحل العداء والاساءة للغير. فالسعادة غاية إنسانية مشتركة، لها خيارات متعددة، وأفقها واسع وكونها مضيء بلا شروط، وحقيقة حسية تعمل على تجييش العاطفة، فمن غير الحب لا تكون سعادة، مهما حملت الكتب أو جاءت به سواء في دلالاتها أو محتوياتها مثل "العلم المدني" أو "المدينة ألفاضلة، أو "السياسة المدنية"، أو "تحصيل السعادة" إن كل ما يمكن قوله بعد هذا السؤال الذي حير الكثير، كيف تتدبر المدن، وتصلح الغايات التي تسخر الحب في قلوب الناس؟، سيأتي الجواب تدريجيا اذا انتقل الفرد من حياة التكلف إلى حياة البساطة. إن الحياة أبسط من الكتب والمعادلات والنظريات، بل هي تعايش تفرضه الاستجابة للفضائل، وقبول للآخر في سياق اجتماعي متطور، ولهذه الأسباب فإن السعادة التامة إنما تكون عاطفة وعقلانية. علما إن الناس تتفق على الغاية القصوى من كل فعل إنساني، مهما اختلفت مظاهر الحياة، ففي عمق كل اختلاف يكمن هدف سام تبحث عنه كل روح، وتسعى إليه سعيا حثيثا لاستقطاب كل الظروف، وتسخيرها إيجابا للجماعة، أما من ترك مشروع الحياة لإشكالات فكرية وأخلاقية وسياسية وركن إلى الكلفة والكماليات لن تجد لديه إلا دواعي باهتة وقوقعة سلبية، لا تجلب الألفة أو الحب، بل تجد أن لكل جانب في الحياة متعة خاصة وملامح مختلفة، ففي الموسيقى يرى البعض مجمل سعادة الذوق والإحساس، وزخم شاعري، يجسد اللحظة ويرهف الحس، ويحدد فاعلية فاضلة ومرحة بكامل هيئتها والحانها، تتناغم وتنسجم، ثم تشرق بهاءً وسعادة، وتملأ الفضاء جملا موسيقية منسجمة لا تطرب الوجدان، بقدر ما تهز القلوب بنبرات دافئة، تثير الغبطة، وتحمل معها تلك الألحان لونا من تجليات الجمال التي تشبع رغبة البحث عن السعادة بشكل متواصل. لذلك يتوجب على الجميع طرح مفاهيم وأساليب السعادة على طاولات الحضور، وذكر مأساة الانسان، من جراء الحروب والكوارث، التي أفقدته صلة السعادة بلا حول ولاقوة، وسكنت في ذاته المهجورة رغبات يتيمة ترفض الحياة بكل حقائقها، عندها يتوجب على المجتمع تكثيف قيمة الغيرية، بدلا من سجن الفرد في أنانيته المفرطة، والشروع بكيفية البذل، وحجز مقاعد في قطار الأمل، لئلا تبقى السعادة ذات زمن ومكان محدود ولفئة دون أخرى.